إذا كانت الكتابة أخلاقاً وفنّاً وأدباً فلا بدّ لكلّ مَنْ يلجُ عوالمها أن يكون متمتّعاً بقدْرٍ لا بأسَ به من هذه المقوّمات والمفاهيم ليكون قادراً على البقاءِ فيها كشخصٍ مرّحبٍ به لأطول فترةٍ ممكنة قد تطولُ مع طول عمره في الحياةِ أو قصرها, بل قد تطولُ وتدومُ حتّى بعد رحيله عن عالمنا الدّنيويّ.
الكتابة كونها الأخلاق والفنّ والأدب معاً تعدّ من أصعب المهن أو النّشاطات أو الهوايات أو المواهب التي يسعى إليها الإنسان, وفي الوقت نفسه تعدّ من أسهلها أيضاً, أيّ ينطبقُ عليها المثل القائل "السّهل الممتنع", لذلك قبل عام 2011م أي قبل هبوب الرّياح والعواصف البشريّة التي حلّتْ بالكثير من مناطق الشّرق ومن ضمنها منطقتنا كان الشّخصُ منّا ينتظرُ وينتظرُ طويلاً, ويعدّ من الواحد إلى المليون, بل والتّريليون حين كان يفكّر بالولوجِ إلى هذا العالم, وحتّى مَنْ كان يدخله متسلّلاً كان يقعُ ويسقطُ سقطة لا قيام أو قومة له. أمّا الآن وتحديداً منذ عام 2011 وحتّى الآن أصبحَ كلّ كورديّ رجلاً كان أم امرأة كاتباً وشاعراً وأديباً, بل وسياسيّاً وقائداً وناشطاً وباحثاً ومفكرّاً, وكأنّ هذه العواصف والرّياح والرّعود والبروق التي هبّتْ على شرقنا وعلى منطقتنا وعلى كوردستاننا قد سقطتْ على فكر وعواطفِ ووجدان كلّ كورديّ, ففجّرت فيهم آبار الثّقافة والعلم والأدب والكتابة والسّياسة فصاروا يتنافسون, ويتبارون, ويتفاخرون, ويتحمّسون بالمحاضرات والأمسياتِ والخطابات, والهتافاتِ, ويُدْعون بطرقٍ وأساليب ما إلى الاحتفالات والمهرجاناتِ والحفلاتِ وهم واضعين على رأسهم ريشاً ووبراً وصوفاً وحراشف, ويتنافسون على المقاعد الأماميّة وعلى الألقاب الخلّبيّة والشّاقوليّة والعاموديّة, ويجوبون الأرض بطولها وعرضها, ويقول الواحد أو الواحدة منهم: "يا أرض اشتدي ما حدا قدّي" مستخدمين في ذلك كلّ ما يملكونه من مواهب دفينة في الانتهازيّة والاستغلاليّة والأنانيّة سيراً على مبدأ "الغاية تبرّرُ الوسيلة".
أقول هذا مع التّأكيد على أنّني أباركُ كلّ فلمٍ يترجم صدق شعور وحسّ أيّ شخصٍ, أيّ فردٍ في مجتمعنا. أبارك له فكره ونبل وجدانه, وسلامة ضميره تجاه شعبه ومجتمعه ووطنه, وأنا لستُ ضدّ أيّ شخصٍ يلجُ عالمَ الكتابة والأدب والعلم والمعرفة, ولكنّني أتمنّى على هؤلاء إذا حصلوا على مكانةٍ ما, وتبوّؤا مناصب ما ألا يستهينوا بغيرهم, وألا يهينوهم.
كما أنّني أشجّعُ كلّ مَنْ يجد في نفسه مَلَكة الكتابة والأدب, وأحيّيه على عواطفه وأفكاره, وأرى أنّنا نمرّ بمرحلةٍ حرجةٍ وحسّاسة تتطلّب من الجميع أن يتكاتفوا ويتضامنوا لإنقاذنا من الأزمات التي نعيشها, لتحقيق مكاسب لنا جميعاً من خلال استغلال فرص هذه المرحلة العظيمة والخطيرة التي نعيشها.
ليس لدينا متسعاً من الوقت لنتحاور على أمور تلهينا عن التّفكير بقضايانا المصيريّة. ليس أمامنا الكثير من الوقت لنتبارز ونتفاخر على أيّنا هو الأفضل, وأيّة جماعةٍ أو كتلةٍ أو منظّمةٍ منّا هي الأفضل والأكثر كفاءة وعطاء وقدرة على العطاء.
الوطن ينادينا, والضّمير يدغدغ حسّنا وفكرنا, فلينطلق كلّ منّا بحسب طاقته وقدرتهعلى العطاء, وبعد أن تهدأ الأمور, وننجز ما نسعى إلى إنجازه, وتحقيق ما نطمحُ إليه فليسارع مَنْ يريد ويرغب إلى تشكيل ما يحلو له من المجموعات والتّنظيمات والاتحادات, وليبجّلَ بنفسه وأمجاده, ويظهر نفسه كما يشاء وكما يحلو له.
قديماً قالوا: القلم ذو تأثير فعّالكالسّلاح ذاته, فإن لم يستطع الإنسانُ القتال والدّفاع بالسّلاح بإمكانه فعل ذلك بالقلم والفكر. فليقاتل كلّ منّا بحسب السّلاح الذي يمتلكه, وليدافع عن وجوده أوّلاً ووجود شعبه وأمّته وتراب وطنه وأرضه بهذا السّلاح الفعّال.
سقى الله أيّام زمان, أيّام كان الكتّاب والشّعراء والفنّانون الكرد يشكّلون أقليّة المجتمع, ويُعتَبَرون من الفئة المضروبة على مخهم وعقلهم لأنهم يسلكون طريقاً لا تجلبُ لهم مالاً ولا جاهاً ولا مكانة اجتماعيّة. أيّام كان معظم هؤلاء الطّارئين على المشهدين الأدبي والكتابيّ يضحكون عليهم, ويسخرون منهم, ويتهمونهم بمحاربي طواحين الهواء.