حدثنا العطال البطال قال : لمّا استقرَّ بنا الحال في أوربّة، ورأينا مِن جمالِ النساءَ مواضعٌ غير مُحجّبة، و ما كنّا نسمعه عن حواجبهنّ المُذهّبة، وشفاههنّ الرطبة، والريق منهنّ بحلاوة الزبدة ممزوجة بالمربى، وأجسادٌ ملساء غيرُ مُزغّبة، وقاماتٍ فارعة تُنسي المؤمنَ التوبة، والجنّة الموعودة بحورياتها العشر مضروباً بأربعة، فغابَ عن بالنا ما يعانيه الخلّان و الأحبة، في الوطن الجريح، وقد طغى على جماله كلّ ما هو قبيح، وأبلهٌ يُمارس القتلَ والتشبيح، يخالُ في نفسه خطيبا و فصيح، جابه تغريدات الثوّار و الصوت المليح، بمجاميع ارهابية تُماثل الثعابين في الفحيح.
ولمّا وجدنا الصعوبة في سرعة الاندماج، وتحاشينا النظر الى عيونٍ يتطاير منها الانزعاج، وصرنا نلوذ بالحدائق الخاوية في تمضيّة الوقت، كي لا نتلقى ايماءات وجوه فيها الامتعاض و المقت، مع استثناءات كثيرة او قليلة، بحسب درجة العنصرية التي النفس بها عليلة، والشهادة لله، أنّ لبعضهم خدماتٌ على المهاجرين جليلة.
وبينا أنا في خلوة مِن البال، وإذ بفكرة تحومُ حولي على شكل سؤال، مفادها : ما سبب كلّ هذا الترحال، و مُجابهة المخاطر و الأهوال، مِن أجل عيشة هي دون الكلبونية، تليق فقط بالكلاب الأوربية، فيحياها السُذج على أنها الرفاهية، فقادني السؤال الى فكرة أخرى، وهي من وجهة نظري و كما أرى، أن شعوب الشرق تعمل كالعبيد، فيترفّه بكدّها الكلب البليد، الذي يعيش في بلاد الغرب البعيد، والفكرة بإختصار، ودون تنميقها بإطار، أن دكتاتوريات الشرق تسرق مِن مال الشعب، وتبثّ الدعايات على أن السرقات هي مجهود الحرب، على عدوٍ تختلقه بسهولة، و يؤازرها المنافقون بشعارات بالحماس مجبولة، فيُرسلون الأموال الى بنوك الدول الإمبريالية، فتستغلها في مشاريعها الإنمائية، فتُزكيّ مالها المُتضخّم على شكلِ هبات سخية، لشعوب الشرق الفقير، فيستولي على مُعظمه الدكتاتور و صاحب الشرطة و الوزير، فيرسلونها مُجداداً الى بنوك الغرب، بطُرقٍ لا يعرفها سوى الشيطان والرب، فتزداد الرفاهية في الغرب، فيستفيد منها الكلب.
وبينا أنا في هذا التفكير، و ألعن – نموذجاً – ( بشاركو) الحقير، و إذ بنباح الكلاب في الحديقة يتعالى، فخفتُ و لِذتُ بالدعاء لله تعالى، فما خابني و شرح لي صدري، و انحنىى الى طبيعته بعد أن قام مِن الخوف شَعري، و انكشف الموقف عن صراعٍ بين كلبين بطراً، الأول تراه مُكتنزاً شحماً و الأخر مُضبطراً، و ( بعثيكو قربانو ) يسعى في إصلاح ذات البين، بين الكلبين الغريمين، يُقبّلُ هذا في الجبين، و ذاك في الوجنتين و العينين، فقلتُ له : ما لك ، لا أبا لك ، حتى الكلاب تتضعضع لها ؟ ، فقال : أقصر الدروب الى الأرب، هي صداقة الكلب، فيحنّ عليك صاحبه، و تغتني بما عليك يُغدقه و يهبه.