المتتبّع لمجريات الأحداثِ في منطقة الشّرق الأوسط والعالم العربيّ يقفُ حائراً أمامَ ما سيكونُ عليه حال مجتمعاتِهما وشعوبهما في الغدِ وبعد الغدِ، ولكنّ الحيرة تزدادُ إيقاعاً وطنيناً حين يتعلّقُ الأمرُ بواقع الشّعبِ الكرديّ وما ستؤولُ إليه حاله خلال الأيّام القادمة، وعشرات الأسئلةِ والاستفسارات تتزاحمُ في الفكر والوجدان حول الكردِ ونضالهم ومكتسباتهم في هذه الظّروف التّاريخيّة الحسّاسةِ التي قد تتكرّر بعد عشرات الأعوام أو التي قد لا تتكرّر:
-هل استطاع الكردُ الاستفادة من الدّروس والعِبَرِ التي رست على شواطئِ هذه الأحداث؟
-هل بقي لديهم المزيد من الوقتِ للمّ صفوفهم ومراجعةِ ذاتهم، والتّغلّب على وساوس أنانيّتهم التي غالباً ما تكون قاتلة؟
-هل بقي لديهم المزيد من الوقتِ والجهدِ لتطبيق مقولةِ "الإنسان المناسب في المكان المناسبِ"؟ وهل سيختارون مَنْ يقودونهم الآن ومَنْ سيقودونهم غداً، ويقفون على محطةِ حياتهم بمراحلها المختلفة، ويسبرون أغوار فكرهم وعواطفهم ليتمّ الاختيار بشفافيةٍ وصدق بعيداً عن لغةِ المصلحةِ والأنانيّةِ وذوي القربى اعتماداً علىمقولة "الأقربون أولى بالمعروف" وعلى المعارفِ والأصحابِ وأولادِ الحارةِ والبلدةِ والقرية؟
-إلى متى سنكرّرُ أخطاءنا ذاتها، ونغلّبَ أنانا "الأنا" الكامنة فينا على مصلحةِ الشّعبِ والمجتمع والوطنِ، ثمّ نقول بكلّ فخر:
"نحن الكرد شعب مغلوب على أمره، يلزمنا المزيد لنتعلّم ونعتادَ على أساليب الّلباقة والّلياقةِ للشّعوبِ والمجتمعاتِ الأخرى"؟
أو نقول: "هذه المرحلة جديدة علينا ونحن حديثو العهدِ بالإمساكِ بزمامِ الأمورِ فيها".
-متى...؟ وأين...؟ وكيف...؟ أسئلة واستفسارات من وحي الغموض، فهل ستهتدي إلى نور الحقيقةِ والصّراحة؟؟!!
كلّ الشّعوبِ والأممِ تحاولُ اقتناص الفرص التي تُتاحُ لها إثْرَ الأحداث المرحليّة الهامّةِ والقويّةِ التي تعيشها وتتعايشُ معها، بعضها تتمكّنُ من تحقيق مآربها-كلّها- أو العديد منها باستحقاقٍ وجدارةٍ، والبعضُ يستخلصُ منها العِبَرَ والمواعظَ التي تؤهّلها للسّيرِ في دروبِ النّجاح وتحقيقِ الأهدافِ، أمّا البعض الثّالثِ فيهدرُ وقته وفكره في أمورٍ غير هامّةٍ وغير ملحّةٍ، ويتهافتون على مصارعةِ طواحين الهواءِ التي يعلّقون عليها أهدافهم وطموحاتهم، فيمرُ الوقتُ، ومعها تمرّ الأحداثُ والمتغيّراتُ، وتتالى قوافلُ الشّعوبِ والملل نحو عالمها الذي تسعى إلى العيشِ فيه، ويظلّ هذا البعضُ يصارعُ الطّواحين، ويصارعَ الذّات والآخر، وحين يجدون محيطهم فارغاً إلا من صراعهم وهوسهم يسارعون إلى البكاءِ والعويل والّلطم على الخدودِ والأقدام.
الشّعبُ الكرديّ إلى أيّ البعضِ يُصنّف؟ وأيّ الأهدافِ تدغدغُ مكمنَ نخوته؟ وأيّة أرضيّةٍ تثبتُ خطواته؟
لا شكّ أنّ الكردَ عاشوا واقع البعضِ الثّالثِ طويلاً، وتفاعلوا معه، واستنشقوا هواءَ الطّواحين حتّى الثّمالة، كما أنّهم الآن يحاولون أن يعايشوا البعضَ الثّاني، لتكون خطواتهم ثابتة، واثقة نحو الدّروب التي رُسمت أمامهم، والتي عليهم اختيار الأفضل والأصحّ منها، ولكنّ الغالبية العظمى من الكردِ يريدون ويتمنّون الانتقالَ مباشرة إلى عالم البعضِ الأوّل بغية اختصارِ الوقتِ والجهدِ، وبغية اقتناصِ هذه الفرصةِ الماسيّةِ التي قد لا تتكرّر إلا بعدَ دهورٍ من الزّمن، ولمَ لا؟ والكردُ يمتلكون كلّ مقوّماتِ الشّعبِ والأمّةِ التي تؤهّلهم إلى تحقيقِ الأهداف وإنجازِ العالم الذي يليقُ بهم في هذا العالم الذي حقّقت فيه أقليّات وملل صغيرة مقوّمات دولٍ وأقاليمَ وإمارات.
نعم، يستطيع الكردُ فعلَ كلّ شيء، وتحقيقَ المزيدِ والمزيدِ إذا التفتَ مَنْ بيدهم زمام الأمرِ والنّهي من الكردِ إلى أمورٍ كانوا يرونها ثانويّة أو غير هامّة ولكنّها تشكّلُ صلبَ الموضوعِ وجوهرَ المضمون:
-يجب مراجعة الذّاتِ واكتشاف مكامن الخطأ والعطب وتجاوزها وتلافيها، بتغليبِ لغة العامّ على الخاص، ولغة الكلّ على الأنا، لأنّ مصلحة الأنا تتحقّقُ بتوفير مصالح الآخر أو الآخرين، وبهم ومعهم تسيرُ عجلاتُ الحياةِ على خطوطٍ مستقيمةٍ، سليمةٍ لا أخاديدَ فيها ولا عثرات.
-يتمّ ذلك من خلالِ تطبيق مبدأ" الشّخص المناسب في المكان الذي يناسبه" أيّاً كان هذا الشّخص، رجلاً كان أم امرأة، غريباً كان أم قريباً، غنيّاً كان أم فقيراً، لأنّ المجتمع الذي يبتغي بلوغ درجاتِ الوعي والحضارةِ والرّقيّ ينظرُ مليّاً في حالِ أفراده ومواطنيه، ويمنحُ كلّ شخصٍ منهم المكان الذي يستطيعُ فيه ممارسة طقوسِ عطائه وفنون إبداعه وخلقه.
-نعم، نحن الكردَ نُعتَبَر من الشّعوبِ المغلوبةِ على أمرها ولكنّنا نمتلكُ أسليبَ ووسائلَ الّلباقةِ والّلياقةِ التي تجعلنا معها أثرياء الفكرِ والضّمير، ومعها وبها نستطيعُ تجاوز كلّ المراحل الزّمنيّة، واستغلالَ مختلف الظّروفِ والأحداثِ لصالح قضيّتنا ووجودنا وبقائنا.