ودعتمدينة السليمانية بكل هدوئها وصخبها وروعتها وجمالها وجبالها وأصدقاء الهتاف، كاتبها وروائيها وبيشمركاها الكردي الكبير محمد موكري، ودعته بكل قامته وحضوره، وبجل بهائه ووقاره بعد 67 عاماً قضاها يوماًُ يوماً، بين البكاء والحزن والنضال والكتابة والترجمة والتأمل.
الرجال الكبار ينعيهم الرجال الكبار، فعندما يصف الرئيس مام جلال رحيل موكري، بأن الأدب الكردي يفقد أحد أبرز مبدعيه انما يعي ما لموكري، الغائب الحاضر، من مكانة تخصه في السمو بذلك الأدب، في مراحل الخسارة، أو لنقل مراحل الجسارة الحقة، أبان كانت اللغة الكردية لغة محظورة، والأدب الكردي أدباً تنهال عليه اللعنة من جلباب الدول التي تحتكر الاعلام والجماد والعباد.
خاض الروائي الراحل محمد موكري غمار ومضمار جميع صنوف الأدب، فاحصاً وشاخصاً في الكلمة، متمسكاً بوظيفتها، ومتشبثاً بها كأنها الرصاص الذي يتجاوز وجعه الرصاص بأزيزه، دخل المعترك، متعرك الكتابة روائياً، قاصاً، مترجماً، ناقداً بقوة تفاصيل الماضي والحاضر معاًَ، مزهواً بنضاله في سبيل الحقوق الكردية، لنكون نحن جليلين وجميلين مثله، فيما بعد، ولندعو الله العلي القدير، بكل خشوع، أن يسكنه فسيح جناته، ويلهمنا نحن متابعيه ومحبيه وأصدقاءه الصبر والسلوان، وبعض الحنان والجنان.
عندما أعلن مكتب اعلام الاتحاد الوطني الكردستاني، في بلاغ، كالصاعق، وفاة الأديب الكبير والبيشمركه العتيد محمد موكري، أنما أعلن، بكل بلاغة أيضاً، الحداد المؤقت للأدب الكردي، في هبوب الريح، هبوب رياح موكري الهائجة على حياء الجبل الهائج، وجبروته وتحمله لكل هذا وذلك العناء، بعد مراحل من الاعياء.
ربما يعد محمد موكري، الروائي السجالي، من أوائل الذين أثاروا جدالاً قوياً وطويلاً غير منته البتة بكتاباتاهم، وخاصة في روايته المشهورة "النباح" التي كتبها أبان حقبة مقارعة الدكتاتورية المقيتة، ليقف مام جلال، بكل قوته وحريته ومسؤوليته المناطة به الى جانب الحرية الجريئة لدى موكري، في التعبير عن آراءه، ليكتب مام جلال بنفسه، وبقلمه مقدمة الطبعة الثانية من الرواية، في اشارة الى أنه ليس بالخبز وحده يعيش الانسان.
الروائي والقاص الراحل محمد موكري، الذي ولد في العام 1945، في مدينة كركوك الكردستانية، وبدأ كتابة الرواية في سن مبكرة، متابعاً للأحدث حدثاًُ حدثاً، وبذخا بذخاً، هو نفسه، بحبه وكبريائه الجارف، يجبرنا، بكل هدوء، على الوفاء الصادق لروحه الحاضرة وقامته الغائبة، وربما شخوصه سيمتثلون لامتحان الحياة، هذه المرة، في تتويج ما تبقى من أبهة هذا الروائي الذي يبزغ في وجهه وقار شيخ جليل آت من السماء للتو.
*وصف الصورة من اليمين الى اليسار: فتح الله حسيني، فواز حسين، ناهدة الحسيني، الراحل محمد موكري في مهرجان كلاويز الأخير