لم يكن احتلال الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" منطقة شنكال "سنجار" الإيزيدية الكردية في العراق مجرد تتمة من سلسلة انتصاراتها على حساب بعض التنظيمات الأخرى المنافسة لها في كل من سوريا والعراق، ولم تكن تتوقع أن يكون رد فعل الكردي والدولي عاجلاً وقوياً وهي استعجلت وأخطأت في حساباتها هذه المرة.
فالتنكيل بأهل شنكال يعتبر محاولة لارتكاب نوع من أنواع الإبادة الدينية بحق هذه الديانة الكردية القديمة المسالمة، وما قتل الرجال وسبي النساء واقتيادهن إلى سوق النخاسة ومحاصرة آلاف من الأطفال والعجزة الفارين إلى قمة جبل شنكال ليفتك الموت بهم جوعاً وعطشاً إلا نوع من الإبادة الجماعية والجريمة ضد الإنسانية. وهذا الأسلوب النمطي الجاهلي تدخل ضمن سياسة دولة "داعش" والتي هي مبنية بالأصل على الغزوات والغنائم "الفتوحات" وتعتبر أن من لا يبايعها ولا يتماشى مع نهجها وفكرها الدابر هو من المنافقين والملحدين والكفرة والزناديق إلخ وبالتالي إجازة جز رؤوسهم ونحرهم.
احتلال عناصر"داعش" لمنطقة شنكال ونواحيها بسرعة قياسية من جهة وانسحاب الوحدات العسكرية من البشمركة الكردية المتموضعة هناك من جهة أخرى ترك أكثر من علامة الاستفهام وأعيد إلى أذهان ما حدث مع مدينة الموصل أبان سقوطها بيد نفس الجهة قبل أشهر. فقد شكل سقوط شنكال صدمة لدى الأكراد في كل مكان.
لكن الأمر بالنسبة للقوات البشمركه لم يدم طويلاً حتى عادت بأكثر قوة وحماس وهاجمت المواقع لعناصر"داعش" في أكثر من محور، وتزامناً تحركت مجموعات من قوات العمال الكردستاني في تركيا من الجبل إلى السهل وتوجهت إلى ساحات المواجهة إضافة لدخول أعداد من البشمركة الديمقراطي الكردستاني إيران وكانت قد سبقتهما وحدات حماية الشعب في غرب كردستان ـ سوريا ودخلت إلى ناحية ربيعة العراقية الحدودية. الجميع هلل لنجدة أهل شنكال.
تعتبر هذه المرة الأولى التي تحارب فيها الأكراد مجتمعين ضد عدو واحد منذ نشوء الحركة الكردية الحديثة. فرقتهم الاختلاف والتناقض السياسي عقوداً من زمن ووحدتهم "داعش" بين ليلة وضحاها عسكرياً.
وقد ترك هذا التحالف العسكري الكردي ارتياحاً في نفوس عامة الأكراد وتأجلت الاختلافات السياسية البينية مع الأمنيات استمراره فيما بعد الانتهاء من نكبة شنكال وترجمتها سياسياً من خلال عقد المؤتمر القومي الكردستاني بين القوى الكردية في أجزاء كردستان الأربع. لكن هذا يبقى أمل.
وعلى مدى قريب قد تظهر تعقيدات وحساسيات بين تلك القوى التي تحارب معاً ضد دولة"داعش" بسبب عدم وجود عقد أو اتفاق سياسي بينهم وخاصة إذا ما اعتبرت حكومة إقليم كردستان إنه تدخل وتجاوز على مناطق نفوذها من جهة وإصرار العمال الكردستاني على انتشار عناصره هناك بداعي حماية الإيزيدية.
بموازاة التحالف العسكري الكردي غير المعلن، لبى المجتمع الدولي نداء حكومة إقليم كردستان ـ العراق لمؤازرتها ودعمها بالسلاح والذخيرة وإغاثة المحاصرين، وترجمته سلاح الجو الاميركي عملياً من خلال توجيه ضربات عسكرية محدودة لبعض مواقع دولة "داعش" لشل حركتها ومنعها من التقدم باتجاه كردستان ـ العراق إضافة إلى إسقاط مساعدات إنسانية من الجو على الإيزيديين المعلقين في جبل شنكال، مع أن سياسة أوباما الخارجية هي عدم التدخل العسكري الاميركي في أية بقعة من العالم إلا في حالات الاضطرارية لحماية المصالح الاميريكية ومنعاً لارتكاب الإبادات الجماعية.
ولهذا فإن أميركا لن تتجاوز سقف ضربات عسكرية محدودة ومحددة ضد داعش وستكتفي بالإمداد العسكري للبشمركه الكردية، أولاً من أجل حماية مصالحها في إقليم كردستان ـ العراق وثانياً منعاً لحصول الإبادة الدينية بحق الإيزيديين والمسيحيين في العراق بضغط من الأميركيين وحلفائها وثالثاً الحفاظ على الحليف الكردي المعتدل في المنطقة.
مهما يكن نوع الدعم الغربي لإقليم كردستان ـ العراق سواء أكان مصالحياً أو إنسانياً أو النظر إليهم كأفضل الحليف في العراق يعد الأمر إنجازاً للدبلوماسية الكردية ويؤكد وصول الإقليم إلى مكانة مرموقة لدى العالم الحر وهذه النتيجة حمايتها وإيوائها للأقليات الدينية والعرقية ومحاولاتها قي تطبيق نظم الديمقراطية وإتباعها سياسة التسامح والانفتاح على محيطها الإقليمي والدولي.