لعل الانتخابات البرلمانية التركية القادمة هي أبرز الانتخابات في التاريخ التركي وذلك على المستوى الكُردي كون حزب الشعوب الديمقراطية (HDP) سيدخل الانتخابات بنظام القائمة الحزبية وليس كمرشحين مستقلين كما جرت العادة مع التسميات السابقة من الحزب الكُردي في شمال كُردستان
, وانطلاقاً من هذه الحقيقة وللظروف الإقليمية المحيطة المتغيرة لحظياً وخاصة في الأجزاء الكردستانية الثلاثة الأخرى, لذا باتت هذه الانتخابات ونتائجها ذو تأثير مباشر وقوي على تلك المتغيرات , وبالأخص في غرب كًردستان (روج آفا) , فمن المعلوم أن غرب كُردستان يدار حالياً بالإدارة الذاتية الديمقراطية والتي تنتهج مبدأ الحياة المشتركة وأخوة الشعوب والأمة الديمقراطية , وفي تركيا هناك أربع قوى حزبية رئيسية مشاركة في العملية الانتخابية وهي : الحزب الحاكم حالياً حزب العدالة والتنمية (AKP)بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومعروف أنه حزب إسلامي ينتهج في العلن التيار الوسطي الإسلامي ومتهم من كثير من القوى (وخاصة الكُردية) بأنه يدعم وبقوة الحركات الإسلامية الراديكالية مثل داعش ومشتقاتها وهذا ما توثق بالعديد من الوسائل أثناء اجتياح سري كانييه منذ عامين وكوباني منذ قرابة السنة , كما أن هذا الحزب يعتبر الداعم الرئيسي والحاضن الأول للائتلاف السوري المعارض والذي هو بدوره متهم وبدرجة كبيرة بإفراغ الثورة السورية من محتواها الثوري وتحريف مسارها بقوة ومنهجية . الحزب الثاني هو حزب الشعب الجمهوري (CHP) بقيادة كمال كلجيدار أوغلو وهو حزب كمالي علماني قريب من يمين الوسط يعتبر امتداد تاريخي لمصطفى كمال أتاتورك نهجاً وتطبيقاً وإقصاءً للآخر ويعتبر من أقدم الأحزاب التركية كما يعتبر أقوى أحزاب المعارضة التركية , وبدا للجميع أن هذا الحزب مناهض للثورة السورية ولا يتوانى في أي فرصة ممكنة عن إبداء انزعاجه من الثورة السورية وما تبعتها من تدفق للاجئين السوريين إلى تركيا ويهدد هذا الحزب بشكل دائم بأنه سيقوم بطرد اللاجئين السوريين في حال فوزه بالانتخابات وما زيارات نواب هذا الحزب ومسئوليه الدائمة إلى العاصمة السورية دمشق ولقائه بالنظام السوري سوى تطبيقا لتلك القناعات والخطط المبيتة في حال فوزه . أما الحزب الثالث فهو حزب الحركة القومية (MHP) بقيادة دولت بخجلي وهو حزب قومي فاشي ويمثل اليمين التركي بامتياز , حيث يرى هذا الحزب أن لا قومية غير القومية التركية وكل من هو داخل تلك الحدود هو تركي وعليه أن يمجد القومية التركية وذئابها الرمادية كما يرفض دخول الاتحاد الأوربي كون أغلب أوربا كانت تحت سلطة تركيا (الدولة العثمانية) ذات يوم , ويرفض مناقشة القضايا الكردية بأي شكل من الأشكال . أما الحزب الرابع فهو حزب الشعوب الديمقراطية (HDP) بقيادة مشتركة بين كل من صلاح الدين ديميرتاش وفيغان يوكسيكداغ وهو حزب كردي علماني يتبنى مفاهيم الحياة المشتركة وأخوة الشعوب والأمة الديمقراطية التي ينادي بها القائد عبدالله أوجلان ويرى فيها حلاً لعموم مشاكل وأزمات تركيا وكامل الشرق الأوسط , وهو الحزب الكُردي الوحيد الذي ينافس على اجتياز حاجز الـ 10% كما إنه يدعو بشكل دائم في أدبياته ومنتدياته الحزبية إلى الحل السياسي والسلمي في سوريا , وبإسقاط وتطابق ما سبق مع الوضع الكُردي الحالي في غرب كُردستان نرى أن حزب الشعوب الديمقراطية هو المكمل والمتمم لتجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في غرب كُردستان , أي أن اجتياز حزب الشعوب الديمقراطية لحاجز الـ10 % هو انتصار للإدارة الذاتية الديمقراطية في غرب كُردستان أيضاً ودعم لثورة روج آفا كما أن فوزه سيؤدي إلى تفعيل عملية السلام في شمال كُردستان بصورة أكثر فعالية وهذا سيكون له نتائج ايجابية على كافة الأجزاء الكُردستانية , وفوز هذا الحزب سيعني أن تركيا ذاهبة على الأغلب إلى حكومة ائتلافية وهذا سيلغي تفرد حزب العدالة والتنمية بالحكم والسلطة في تركيا وبالتالي سيكون هناك تغيير جوهري ومباشر على الوضع في سوريا بشكل عام وعلى غرب كُردستان بشكل خاص حيث ستتم المساهمة بشكل كبير في قطع كل طرق إمداد القوى التكفيرية في سوريا من الجهة الشمالية لسوريا وذلك على كافة المستويات السياسية والأمنية والعسكرية , أما في حال عدم اجتياز هذا الحزب لذلك الحاجز الانتخابي الغريب العجيب (على مستوى برلمانات العالم) فإن هذا يعني ذهاب كل أصواته إلى الأحزاب الأخرى وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية (AKP) كونه المرشح الأبرز وهذا سيترتب عليه نتائج كارثية منها تحويل تركيا إلى نظام رئاسي سيجعل من رجب طيب أردوغان حاكماً مطلقاً لتركيا (أو بالأصح سلطاناً) وبالتالي التململ والتملص من عملية السلام كما هي الآن وأيضاً الاستمرار في جر الائتلاف السوري المعارض إلى هاوية أعمق وبالتالي الابتعاد بصورة أكبر عن الحل السياسي وتمتين الحل العسكري الذي تدعمه تركيا ليلاً نهاراً جهاراً, وأيضاً فتح مساحات أوسع من التحرك أمام القوى الدينية الراديكالية في سوريا (داعش وأذيالها) وهذا يعني بدوره فتح الممرات الآمنة سياسيا وعسكريا ولوجستياً لضرب التجربة الكُردية الحديثة الولادة وأيضاً إطالة عمر مأساة سوريا والسوريين , لذا فإننا مقبلين على تغييرات كبيرة في المنطقة برمتها بناء على نتائج الانتخابات التركية وبالأخص انعكاساتها المباشرة على الوضع السوري المتأزم , فدعم حزب الشعوب الديمقراطية بأي وسيلة ممكنة يعني المساهمة في حل القضية الكُردية والمساهمة في حل الأزمة السورية والمساهمة في إغناء وإثراء التجربة الكُردية الأولى في غرب كُردستان , كما أن العكس صحيح , بمعنى أن أي انجاز وانتصار للإدارة الذاتية الديمقراطية في غرب كُردستان هو دعم ومساندة لحزب الشعوب الديمقراطية في شمال كُردستان . نتائج انتخابات حزيران القادم في تركيا ستحمل معها الكثير كُردياً سورياً شرق أوسطياً .