وما أدراك ما نفط كوردستان الذي استثمر ما يقرب من قرن من الزمان من قبل البريطانيين الذين منعوا استخدام سكان كركوك الأصليين من الكورد واستقدموا آخرين من أماكن أخرى لا علاقة لهم بالمنطقة، في واحدة من أتعس عقد الساسة البريطانيين فيما يتعلق بحقوق الشعوب منذ أسسوا كيانات الشرق الأوسط خارج إرادة مكوناتها، وحسبما اقتضت مصالحهم الخبيثة إبان صياغتهم لاتفاقية سياكس بيكو سيئة الصيت.
نفط كوردستان الذي كانت تمتصه الحكومات العراقية المتعاقبة، لا لتبني به قرى ومدن هذه الأرض الطيبة المعطاءة، بل لتحوله إلى نيران نابالمية تحرق بها جلود الأطفال ووجوه النساء، وتبيد مزارع وبساتين كوردستان، حتى إن اتخِمت بأموال ذلك السم الأسود الذي حوله نظام البعث إلى غازات وكيمياويات لإبادة مدن حلبجة وكرميان وبادينان، والقيام بأبشع عملية إبادة شعب بأكمله فيما سمي بأنفلة كوردستان وإزالة خمسة آلاف قرية من الوجود، هذه العقلية لم تسقط بسقوط هياكل النظام أو الأنظمة السابقة، بل بقيت مترسبة كعقد نفسية ومركبات نقص رهيبة لدى العديد ممن تسنموا مواقع مهمة في النظام الجديد، وتحولت إلى ثقافة وسلوكيات اقرب ما تكون إلى الإمراض السيكولوجية والاجتماعية، وهي بالتأكيد الأكثر تعقيدا وتشعبا لكونها مترسبة في العقل الباطني للفرد، وفي مجملها نتيجة لمواقف حياتية أو ظروف عاش فيها صاحبها أو ثقافة تشرب منها سلوكه وتصرفاته، وتسببت في بناء مجموعة من القيم التي تظهر كأعراض غير طبيعية تؤشر حقيقة ذلك الشخص من خلال هذه العقد، ويبدو هنا إن العديد من السياسيين العراقيين إجمالا لديهم أعراض كثيرة ترتبط بماضيهم الاجتماعي أو السياسي أو التربوي، حيث فضحت كثير من الأعراض والسلوكيات وردود الأفعال تلك العقد رغم إن صاحبها يحاول إخفائها أو ترويضها لكنها تظهر لأنها هي الأصل في الطبع مهما كان التطبع.
لقد أدركنا خلال العقد الماضي أشكالا من تلك الأعراض، ولعل عمليات النهب والسلب والاختلاس التي رافقت عمل كثير من اولئك المسؤولين، تدلل على منظومتهم الأخلاقية وعقد النقص الهائلة التي يعانون منها، وإلا كيف نفسر تخصيص عشرات المليارات لإصلاح منظومة الكهرباء دون أن يشعر المواطن خلال السنوات العجاف بأي تطور ملحوظ يتناسب مع تلك المبالغ الهائلة، لولا أن عقدة ( الجوعية والسحت الحرام ) متأصلة في العديد من اولئك المسؤولين عن ملفات الطاقة وغيرها.
ويبدو من هذه المقدمة إن الرجل الذي كان يطمح أن يكون رئيسا للوزراء ذات يوم واعترض عليه البعض، أصيب بعقدة ذلك الرفض مما جعلها أي تلك العقدة تتكاثر لتنتج عقد جديدة إحداها أطلق عليها المختصين عقدة نفط كوردستان ، سواء ما هو تحت الأرض أو فوقها، وقد شهد المراقبين وخاصة ذوي الاختصاص في العقد النفسية إن الرجل لا هم له ولا شغل إلا نفط الإقليم، وتظهر أعراض مرضه بشكل حاد وهستيري كلما تدفق برميل من ارض كوردستان لكي يباع ويشترى بثمنه عمودا للكهرباء أو تبليط عدة أمتار من الشوارع، خاصة وانه متهم من قبل رئيس الحكومة الاتحادية بإعطائه معلومات غير دقيقة عن حالة الكهرباء في البلاد بعد إنفاق أكثر من ثلاثين مليارا عليها دون جدوى!؟
مشكلة العقد النفسية والتربوية لدى بعض المسؤولين المفترض انهم تخلصوا منها بعد زوال الدكتاتورية، وخاصة هذا الذي يصاب بالهستيريا من نفط كوردستان، لأنهم دوما كانوا وما يزالون يعلقون معظم الأمور الشائكة على شماعة النظام السابق، إلا إننا تفاجئنا بأنهم أكثر إيغالا في تلك العقد وخاصة مركزة الحكم بشقيه السياسي والاقتصادي بيد فئة معينة أو مركز معين، بعيدا عن روح الدستور الذي وضعوه كقاعدة لبناء دولة اتحادية تشترك فيها كافة الأقاليم والمحافظات بالمال والحكم، بشراكة فعلية غير مشوهة أو منقوصة لأي سبب كان، ولأجل ذلك نراهم يصابون بالهستيريا كلما تقدم إقليم كوردستان خطوة لبناء عراق اتحادي ديمقراطي تعددي متحضر.