يحتض مهرجان دبي السينمائي في دورته التاسعة (9 ـ 16 /12/2012) عددا من الأفلام الكوردية لعل أبرزها فيلم "بيكس" للمخرج الكوردي الموهوب كارزان قادر، والذي عرض ضمن المسابقة الرسمية للمنافسة على جائزة المهر العربي في فئة الافلام الروائية الطويلة.
الفيلم يعد التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج الشاب كارزان قادر، وهو يتناول حكاية طفلين يتيمين مشردين هما "دانا" و"زانا"، فقدا والديهما على يد نظام البعث البائد، وهما يعيشان وحيدين ويعملان كماسحي احذية في سبيل تأمين لقمة عيشهما، ويمضيان سحابة النهار في المشاكسة والشغب والعمل المضني في تلك البلدة الكوردية المجهولة.
هذا الواقع البائس والمرير الذي يعيش فيه الطفلان يحرضهما على التخلص منه، والطيران نحو فضاءات الخيال والأمل، فيجدان مثالهما وخلاصهما في الشخصية الخارقة المعروفة "سوبرمان" التي يشاهدانها في صالة السينما، فيقرران الذهاب الى امريكا وملاقاة السوبرمان الذي سيحل لهما كل مشاكلهما ويحقق احلامهما المؤجلة، ويساعدهما في القضاء على كل الاشرار الذين تسببوا في تعاستهما.
الفيلم يبنى على هذا الافتراض: طفلان يتيمان يسعيان الى ملاقاة سوبرمان، ولنا ان نتخيل المواقف الطريفة والكوميديا السوداء التي يمكن أن يظهره هذه الشريط السينمائي المشغول وفق رؤية بصرية خاصة، إذ يتميز الفيلم بذلك الثراء البصري، وبذلك الايقاع المتقن وهو يمضي مع الطفلين في مغامرات خفيفة مضحكة تنتزع الضحكة من المتفرج مثلما تجعله يذرف الدمع وهو يراقب هذين الطفلين البريئين اللذين وجدا نفسيهما في مواجهة حياة صعبة قاسية في الوقت الذي كان يفترض فيه ان يمرحا في الحقول والملاهي، وان يرتادا المدرسة، وان يعيشا في دفء منزل نظيف وأنيق.
يرصد الفيلم الطبيعة الجميلة والقاسية في كوردستان، كما يرصد الخطوات الاولى لطفلين لا يملكان اي شئ في هذا العالم، لا المال ولا جواز السفر ولا وسيلة النقل، ومع ذلك يحلمان بالذهاب الى امريكا في رمزية موفقة تعبر عن التوق نحو الخلاص، وهما اذ يفشلان في تحقيق حلميهما يصلان الى قناعة ان سعادتهما مرهونة ببقائهما متحدين، وهذه ايضا رمزية أخرى تنطوي على دعوة خفية نحو توحد الكورد.
ومن الواضح ان المخرج متمكن من أدواته، ومن بناء عوالم ومناخات فيلمه عبر لغة بصرية مدهشة، مفعمة بالدلات، وعبر اسلوب يجمع بين الطرافة والسخرية، مثلما يحفل بالمواقف التراجيدية المؤلمة التي تختزل معاناة الكثير من الاطفال الكورد الذين فقدوا اهلهم في عهد نظام صدام حسين، وبقوا بلا حنان او سند في واقع لا يرحم احدا، وحرموا من ابسط مستلزمات الحياة.
نحن هنا ازاء انشودة حزينة تظهر المرارات التي عاشها اطفال كوردستان، غير ان المخرج ينأى بفيلمه عن الادلجة وعن الشعارات الكبرى، فهو منهمك بإدارة ممثليه الطفلين (سيامند طه وسرور فاضل) اللذين اجادا الدور ببراعة، وجسداه في عفوية نادرة لطالما قوطعت بتصفيق من الجهور.
ولا بد من الاشارة الى ان هذا الفيلم البديع مشارك باسم السويد ذلك ان منتجة الفيلم هي السويدية ساندرا هارمز، وكان يفترض بحكومة اقليم كوردستان ان تدعم مثل هذا الفيلم، كما ينبغي ان تدعم مشاريع سينمائية كثيرة يملكها صناع السينما الكوردية سواء كانوا في كوردستان او في اوروبا.
يشار الى ان المخرج كارزان قادر ولد عام 1982 في السليمانية في كوردستان العراق. في السادسة من عمره غادر مع عائلته كوردستان ليحط رحاله في السويد، حيث درس الاخراج في "معهد الدراما"، وتخرج عام 2010 وفي السنة ذاتها نال جائزة اكاديمية الطلاب عن فيلم تخرجه.
PUKmedia إبراهيم حاج عبدي / دبي 12:17 13/12/2012