كل الدلائل والقرائن تشير إلى أن ضربة عسكرية خاطفة ومحدودة تنتظر النظام السوري بعد أن أقدم على استعمال السلاح الكيماوي المحرم دوليا بحق أبناء شعبه في غوطتي دمشق الغربية والشرقية،ضارباً بعرض الحائط كل العهود والمواثيق والأخلاقيلات الدولية،
وما نجم عن هذا الاستعمال من مقتل أكثر من ألف شخص جلّهم من الأطفال والنساء الأبرياء في مشهد مهيب تناقلته وسائل الأعلام العالمية على نحو واسع. والضربة التي تزمع الإدارة الأمريكية وحلفاؤها القيام بها ضد نظام الأسد أنعشت آمال المعارضين السوريين في سقوط النظام وإنقاذ ما تبقى من بلدهم من الدمار والهلاك الذي أصبح روتيناً يومياً منذ ثلاثين شهراً.إلا أن الإدارة الأمريكية جاهرت في أن غاية الضربة هي تأديبية ولا تهدف إلى الإطاحة بنظام حكم الأسد، والسؤال هنا هو ما فائدة الضربة سورياً، إذن؟
من الواضح أن الدافع الأمريكي للضربة يختلف عما تصبو إليه المعارضة السورية. فأمريكا رهينة مصالحها ولا تعير لعواطفها وزناً، وهي تتقدم بخطى ثقيلة وخجولة نحو تحقيق ضربة محدودة وسريعة للنظام لا نصرة لأطفال سورية الذين سقطوا بالكيماوي ولا إغاثةً لشعب منكوب يُذبح من قبل نظام لا يعرف للرحمة معنىً، وإنما سعياً إلى تحقيق أمرين لا ثالث لهما: الأول هو رد الاعتبار للهيبة والكبرياء الأمريكيين الَّذيَن طعنهما بشار الأسد في الصميم بتجاوزه المتكرر، وباستهتار وتحدٍ واضحين،للخطوط الحمراء التي رسمها له الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والثاني هو تحجيم النظام السوري بعد أن حقق عدة مكاسب على الأرض تمثلت باستعادة القصير وأحياء من حمص من أيدي المعارضة وإقدامه على رش الكيماوي بالغوطة تمهيداً لاستعادة مدن وقرى وقصبات ريف دمشق، والضربة الأمريكية هنا من شأنها خلق نوع من التوازن بما يحقق دوام الحرب في سورية واستمرارها دون تغلب طرف على آخر.
كل الدلائل تشير إلى أن القوى الغربية وإسرائيل ومعها تركيا وروسيا سوف لن تسعى إلى إطفاء النار المتقدة في سوريا، هذا إن لم تقدم على صب الزيت عليها.إذْ كيف يمكننا أن نتخيل حزن أمريكا وإسرائيل على الاقتتال الدائر بين حزب الله والدولة الإسلامية في العراق والشام وما ينجم عنه من مقتل المئات من الجانبين ومن ثم السعي إلى إيقاف هذا الاقتتال؟ بل كيف لنا أن نتصور أسف تركيا وروسيا على صراع دموي يدور بين جبهة النصرة ووحدات الحماية الشعبية الكردية وما ينتج عنه من مصرع المئات من عناصر الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوريللعمال الكردستاني العدو الأول لتركيا، ومن شباب الشيشان المشبع بالفكر الجهادي المعادي لروسيا والمنضوي تحت لواء جبهة النصرة المصنفة في قائمة المنظمات الإرهابية؟
سوريا باتت الآن محرقة لغير المرغوبين فيهم على سطح هذه المعمورة والمغضوبين عليهم من قبل القوى العظمى، ومن المؤكد أن لا أحد سيمد يده لإطفاء نار المحرقة هذه، لهذا أنا لست متفائلاً بالضربة الأمريكية الوشيكة الموجهة ضد نظام الأسد في دمشق.وعليه لا أرى أي داع للابتهاج الذي يقوم به البعض رغم تفهمي لمواقف أولائك الذين فقدوا أعزاءً لهم على أيدي أزلام الأسد وشبيحته.