Share |

لنتذكر مبدعينا- آرام ديكران – (1934-2009)...هوزان أمين

آرام ديكران

سنتناول في هذه الحلقة من سلسلة حلقات لنتذكر مبدعينا فناناً مختلفاً عن كل الفنانين والمبدعين الذين تذكرنا حياتهم ومأسرهم ونتاجاتهم وابدعاتهم على كافة الاصعدة انه فنان من قومية أخرى

ولكنه كان مخلصاً للكورد ولفنه وقدم للفن الكوردي الكثير الكثير محققاً بذلك وصية والده الذي وصاه بأن يكون محباً وخدوماً لاخوانه الكورد الذين حموا والده من الموت بعد المجازر التي تعرض لها الارمن على يد السلطات العثمانية في عام 1915 انه فنان مميز بكل شيء فصوته العذب الشجي و أغنياته وألحانه الجميلة جعلته مشهوراً ومعروفاً على صعيد كوردستان وقد أحبه الشعب الكوردي من القلب وأحبوا انسانيته، و ما زالت أغنياته تردد على كل لسان وستبقى على شفاه محبيه وعشاقه أبد الدهر فهل من الممكن نسيان“Ay Dîlberê” ( آي دلبري) انه الفنان آرام ديكران الذي مر ذكرى رحيله السابع في الثامن من شهر آب هذا العام والذي كان يردد دوماً ”أنا أرمني الأصل لكني بروحي وبقلبي وبأغاني وألحاني أنا كورديّ”.

جذوره:

 يعود بجذوره الى قرية في منطقة فارقين ( دياربكر) حيث كان جده مختار أحدى قرى تلك المنطقة ولكن بعد الفرمان العثماني بحق الارمن والاقليات الاخرى عام 1915 يقتل جده ويتعهد احد أغوات قرية كوردية بأخفاء والد آرام ( تيكران ساكوي ميليكيان) وعدم تسليمه للسلطات العثمانية حيث عاش في فارقين ودياربكر تلك السنوات وتعرفت الى والدة آرام هناك التي هي بدورها هربت من المجازر وأخفت نفسها وتزوجا في دياربكر الى ان وجدا وسيلة وطريق للهرب الى غرب كوردستان ( سوريا) وأستقرا في مدينة القامشلي عام 1928 .

حياته:

ولد آرام ديكران ضمن كنف عائلة أرمينة هاربة من ظلم وبطش الدولة العثمانية وقتل مئات الالوف من أبناء جلدتهم على يد السلطات العثمانية، وهو الابن البكر في العائلة بعد بنت ولدت في دياربكر حيث انجبا اربعة صبيان وبنتين ولد آرام عام 1934 في القامشلي حيث كان يعمل والده عاملاً يكسب قوت أولاده بجهده وكده و درس آرام حتى الصف السابع في المدرسة الارمنية  ومن ثم انتقل للدراسة في المدرسة العربية، ومنذ صغره بدت عليه علامات الفن والقدرة على الغناء حيث تتلمذ على يد عازف عود آنذاك واصبح عازفاً للعود في سن الخامسة عشرة وتعلم الغناء والتلحين ايضاً وشارك في الاعراس والافراح وشد انتباه آلة (الجنبش) حيث تعلم العزف عليها واتقن عزفها في فترة وجيزة، و كان والده تيكران ساكو محباً للفن والغناء وعازفاً جيداً للناي يشجعه وكان يعلم بأن آرام سيكون له مستقبل باهر وبمستقبل فني زاهر، لم يتوقف عند ذلك الحد بل كتب له كلمات الاغاني ولحنها له وكانت اولى الاغاني التي غناها آرام من كلمات والحان والده بالاضافة الى الاغاني الفولكلورية الارمنية والكوردية حيث برع آرام في غنائها ثم غنى أغنيته المشهور ( Şev Çû) أي "ولى الليل" من كلمات الشاعر جكرخوين ومن ثم الاغنية المشهور “Ay Dîlberê”  أي ديلبري، ذاع صيته واشتهر في فترة وجيزة وغنى باللغة الارمنية والكوردية والعربية والتركية، وتزوج آرام في سن 23 ببنت أرمنية اسمها سيلفيا وانجبا بنتين ( آيجيمك – سيفان) وولد أسمه آكوب.

 أرمينيا:

انتقل آرام ديكران إلى أرمينيا السوفيتية آنذاك عام 1966 وغنى حين ذاك أغنيته المشهوره بين محبيه وعشاقه في القامشلي أثناء وداعه الاخير (  Diçim Diçim Nema Têm)أذهب أذهب لن أعود، وكذلك أغنية الشوق والحنين الى أرضه وأبناء جلدته أرمينيا (أتيت أتيت يريفان، بالشوق الى أرمينيا)وأستقرتعائلة آرام في أحدى القرى الارمنية وعمل في الاذاعة الكوردية ( ييرفان) عام 1967 وتعرف على عمالقة الغناء الكوردي الأصيل مثل (كره بيت خاجو وسيدا شمدين و سوسكا سامو ) وغيرهم من الكتاب والمثقفين الكورد، حيث كانت ييرفان وأذاعتها محطة مهمة في حياة آرام صقل بها فنه وطوره الى أبعد الحدود وسمع صوته في جميع اصقاع كوردستان، وأستمر بالعمل في الإذاعة حتى عام 1985 مع المشاركة والغناء في الافراح والمناسبات القومية الكوردية والارمنية.

أوربا:

توجه آرام الى أوربا و ترك العمل في الاذاعة الكوردية بناء على دعوة من أكراد أوربا حيث أقام وشارك في العديد من المهرجانات الكوردية وأستقر به المقام في العاصمة اليونانية أثينا عام 1995.

وشاهده الناس صوتأ وصورتاً على الفضائيات الكوردية وأزدادت محبه الكورد له وعشقهم له وتابع مسيرته الغنائية، ومن هناك عاد الى مسقط رأسه الى كوردستان الشمالية وشارك في احياء عيد نوروز بمدينة باطمان 2008 ومن ثم في مهرجان دياربكر الثقافي الذي نظمه بلدية دياربكر الكبير عام 2009 وذهب على خطى اجداده في القرى والضيع التي اقام فيها اجداده وتذكرهم وتحسر عليهم ومرض في دياربكر بمرض القلب واجريت له عمليه جراحية ثم ذهب الى بيته في أثينا وتوفي في الثامن من آب 2009 .

رحيله:

رحل الفنان الكبير آرام ديكران بعد ان خلف ورائه ارثاً كبيراً من الغناء قدرت بمئات الاغاني المتنوعة بين وطنية وعن الحب والطبيعة وكانت وصيته أن يدفن في مدينة دياربكر (آمد) التي عشقها دوماً و تغنى بها وغنى عليها بعد عودته اليها (Roj baş diyarbekir)، بالرغم المحاولات الحثيثة من جانب السياسيين والدبلوماسيين الاكراد ولكن السلطات التركية رفضت ذلك وباءت جميع تلك المحاولات بالفشل، اضطرت عائلته لدفنه في العاصمة البلجيكية بروكسل بحضورعائلته وكبار الشخصيات الكوردية وممثلي المنظمات الكوردية.

خاتمة لا بد منها

غنى آرام لكبار الشعراء الكورد مثل فقي تيران ، جكرخوين، تيريز ، كلش .... الخ ، ومن اغانيه المشهورة ايضاً (شف جوو)  غناها عام 1965  كلمات الاغنية للشاعر جكرخوين  بعد ذلك غنى اغاني حفرت في ذاكرة كل من سمعها وتعلق بها ومنها " بلبلو ، نوروزه نوروزه ،  شفانو، أي ولاتو ام حليان ، زماني كوردي و العديد من الاغاني الرائعة.

غنى آرام المئات من الاغاني، وجمع وحفظ وارشف العديد من الاغاني الكوردية القديمة ربما يتجاوز عددها 300 اغنية، الف العشرات من الاغاني ووضع لها الحاناً عذبه بنفسه، وصدر له 11 البوماً جمع فيه قرابة 120 اغنية خلال مسيرته الفنية ولا سيما في الفترة الاخيرة منها .

آرام ديكران يحظى بمكانة لا تقل شئناً عن مكان كبار الفنانين الكورد من امثال محمد عارف جزراوي، مريم خان ، كاويس اغا  جميعهم رحلوا باجسادهم ولكنهم خالدون في قلوب ووجدان الشعب الكوردي ، انه سيبقى مدرسة فنية بحد ذاتها وستترك بصماته الفنية الاثر الواضح  على الموسيقى والغناء والالحان الكوردية طوال الدهر.

تغنى آرام ديكران بجمال كوردستان بأرضها ومياهها و شعبها وطبيعتها الساحرة، وغنى على أبطالها وثوارها الشجعان، وشجيع الشعب على حب اللغة الكوردية (Bi xeml û rewşe zimanê Kurdî)، فكان بحق مطرباً و معلماً و مثقفاً ونابغة ومدرسة جديدة في الغناء ترك اثراً كبيراً في الغناء واللحن الكوردي الأصيل، انه فنان الحرية والجمال والانسانية والتعايش ومحبة الشعوب الذي لم يكن طموحه يوماً كسب المال والشهرة بقدر ما كان يريد السلام وأخوة الشعوب.

 

 

لعدد والتاريخ: 7235 ، 2016-11-07التآخي-