هوزان أمين-القراء الاعزاء نعود اليكم في سلسلة حلقات لنتذكر مبدعينا لتناول حياة مبدع رحل عن هذه الدنيا وهو في ريعان شبابه، فقد خسرناه وهو ما زال شاباً صغيرأً ولكنه ترك ارثاً فنياً كبيراً،
اشتهر وذاع صيته في جميع ارجاء كوردستان عذوبة صوته ودماثة روحه وهدوء طبعه وطيبة قلبه وجمال خلقه كل ذلك كانت كفيلة بأن تجعل منه فناناً كبيراً مخلصاً لفنه ومحباً لوطنه رافعاً اسم مدينته زاخو عالياً، انه الفنان اياز زاخولي الذي كان قد شرب من نهر الخابور والذي اصبح هذا المثل شائعاً في مدينة زاخو ( كل من يشرب من ماء نهر خابور لا بد ان يصبح فناناً ) أسوة بمدعين كبار قد غادرونا ايضاً مثل رفيق دربه أردوان زاخولي الذي فارقنا ايضاً بعد مدة وجيزة من رحيل أياز والذين كانا معاً في السراء والضراء في الحفلات والسهرات والامسيات و سنتناول حياته في الحلقة القادمة من سلسلة لنتذكر مبدعينا حيث يصادف هذا العام ذكرى رحيلهم الثلاثين، فقد كان هذا الشهر كانون الثاني قاسياً جداً على زاخو تلك المدينة التي وهبت الفن الكوردي الكثير ولمع نجوم العديد من فنانيها والمشهورة بمدينة الفن والفنانين صنعت لنفسها فناً ذا طابعاً خاص وصبغتها بلونها وطعمها الخاص بها، زاخوعروس الجبال وجسر الوصل بين بوطان وبهدينان حيث شهد هذا الشهر رحيل فنانين كبار مثل اياز واردوان زاخولي وكذلك الفنان عبدالواحد زاخولي الذي فارقنا ايضاً في هذا الشهر من عام 2000.
حياته
ولد اياز يوسف احمد الملقب بـ أياز زاخولي نسبة الى المدينة التي اعتز بالانتماء اليها زاخو في محافظة دهوك، عام 1960 في كنف اسرة وطنية فنية درس الابتدائية والاعدادية الزراعية في مدينة زاخو.
عاش وترعر ضمن كنف عائلة محبة للفن معروفة بعائلة (Dengxweşan) الاصوات الحلوة وفتح عينيه على طبيعة خلابة وسمع أغاني ومووايل الجبال، بان عليه ميله للموسيقى والغناء حيث كان يتردد على أيوانات الطرب والغناء وهو ما زال صغيراً حيث لفت أنظار جده واعمامه وأشقائه على موهبته وآدائه العذب وصوته الشجي، كان يغني في حفلات المدرسة الابتدائية، الى ان تجرأ على اعتلاء المنصة والتقاط المايكرفون في الحفلات والأعراس بصحبة شقيقه الفنان رمضان يوسف (باران)في عام 1976 حيث اكتسب القوة والشجاعة وتطورت موهبته الفنية في تلك الحفلات وعلم منذ ذلك الوقت انه بدأ بسلوك دروب الفن ولا رجوع منه وجاهد وتعب كثيراً على نفسه حيث تعلم العزف على آلة الطنبور والعود وثابر على الغناء دون انقطاع.
مدينة زاخو
ولادته ونشاته في مدينة زاخو كان له الاثر البليغ في تصقيل موهبته وفنه الغنائي الجميل حيث تمتاز هذه المدينة بجغرافيا مميزة وطبيعة خلابة وجبال وانهار ووديان وتشكل حلقة الوصل بين أقليمين كبيرين في كوردستان وهما بوطان وبهدينان الغنيتن بالفن والمووايل والفولكلور والتراث القديم المحفوظ عن ظهر قلب والمخبأ في قلوب المغنيين والمطربين محافظين عليها من الزوال والاندثار، فمن حظه انه ولد في هذه المدينة الجميلة المشهورة بنهر خابور ومياهه العذب وتعتبر خزينة غنية بالاغاني الكوردية حيث اصبحت محطة عبور وملاذ آمن للكثيرين من الفنانين المشهورين في عالم الفني الكوردي مثل ( مريم خان- سعيد جزيري – محمد عارف جزراوي.....الخ) ولا زالت الى اليوم تحتفظ بنخبة كبيرة من الفنانين المشهورين أمثال صباح زاخويي و عبدالقهار واسلام زاخويي ودلال وحاجي وبشار وسمير زاخويي....الخ
شهرته وفنه
في عام 1980 سجل أغانيه على كاسيت ووزعه حيث كان ذلك الكاسيت كفيلاً بشهرته وذياع صيته في أرجاء الوطن وكذلك كان غنائه في الامسيات والسهرات الفنية برفقة الفنان الراحل صديق دربه ورفيق عمره أردوان زاخويي وصباح زاخويي دوراً كبيراً في شهرته ومحبة الناس له، تطور وكبر فنه بحيث اصبح نجماً لامعاً في سماء الفن الكوردي لا سيما بعد ان قام بتلحين العديد من الاغاني المشهورة (Biskê te ziravin) "جدايلك رقيقة " (Heger dinya hemî gul bin)" ان كان الدنيا كلها ورود فوردة واحدة تكفيني " غنى بأسلوب ونمط جديد بالتعاون مع الشاعر عبدالعزيز سليمان وبشار زاخويي .
مرحلة بغداد
بالرغم من قصر تلك المرحلة في حياته إلا انه كان له الاثر البليغ في مسيرته الفنية حيث ذهب الى بغداد لغرض الخدمة الالزامية في الجيش العراقي في بدايات الحرب العراقية الايرانية بالرغم من صعوبات الخدمة في الجيش ومعوقاتها إلا انه كان يخرج في الامسيات والحفلات في بغداد حيث لحق به أردوان وسمير زاخويي ايضاً وقاموا بتسجيل تلك الامسيات في بغداد على اشرطة كاسيت وانتشر ذلك الكاسيت كثيراً، كما انه طور من اسلوبه الفني وغنى بنمطه الخاص المجبول بصبغة زاخو وسجل أولى اعماله الفنية بموسيقا متطورة وآلات حديثة ومن كلمات الشاعر عبدالعزيز سليمان في 19-4-1983.
ومن بعد صدور ذلك العمل وانتشاره بكثرة ونيله محبة الجمهور وتقديره، ذهب عام 1984 الى القسم الكوردي في إذاعة بغداد وسجل فيها 13 أغنية سمعها جمهوره في كل مكان.
ثم صدر له عملاً آخراً مفعماً بالفولكلور ومن كلمات العديد من الشعراء المشهورين مثل عبدالعزيز سليمان وحبيب كلش وبدرخان سندي وصبري بوطاني وألحان سمير زاخويي ومن بعد ذلك قام تسجيلات بافي ميفان في زاخو بتسجيل أغانيه في اذاعة بغداد وتوزيعها على شريط كاسيت خاص ثم عاد الى زاخو وسجل العديد من الاغاني والكليبات برفقة فرقة دهوك الفنية في عام 1985.
أعماله
استطاع في عدة سنوات متتالية تسجيل العديد من الاغاني التي اشتهر بها كثيراً موزعة في 4 اشرطة كاسيت مسجلة باسلوب فني مميز، كما انه سجل 6 اشرطة كاسيت من الامسيات والليالي الفنية التي كان يقيمونها برفقة أردوان وفنانين آخرين، بالاضافة الى كاسيت مع فرقة دهوك الفنية وكاسيت آخر من أغانيه في إذاعة بغداد، ربما كان القدر اقرب اليه من تسجيل كمية أكبر من نتاجاته الفنية حيث اتسمت اعماله بالوطنية والفولكلورية وعن طبيعة كوردستان وجمالها ومفعمة بالمحبة والعشق .
رحيله
اصيب اياز بالهزال الشديد بعد ان اشتد عليه المرض حيث كان يخبأ ألمه على اهله ومحبيه ولكن بعد مراجعة الطبيب علم انه مريض بالسل الرئوي، نقل على اثرة الى مستشفى الموصل حيث فارق الحياة بتاريخ 26 كانون الثاني 1986 وهو ما زال في ريعان الشباب وفي عمر الـ26 عام ، نقل جثمانه الطاهر الى زاخو مدينته التي اعتز بالانتماء لها واحبها وغنى لها ووصفها بأجمل الكلمات حيث تجول به جمهوره ومحبيه محملاً على الاكتاف في شوارع زاخو بناء على وصيته على صوت أغنيته المشهورة (Welatê Min Bexçê Gulan)"وطني حديقة الورود "ووارى الثرى في مقبرة زاخو بجانب قبر والده .
اقيم له مع رفيقه دربه اردوان تمثال وضع في احدى ساحات زاخو وكرم بعد رحيله واقامت له مديرية الثقافة والفنون في دهوك مهرجاناً فنياً كبيراً تقديرا للجهود الكبيرة التي بذلاها في خدمة الفن الكوردي وفي أحلك الظروف التي كان يمر بها الشعب الكوردي ولا تزال صدى اغانيه تعلو في سما كوردستان ولا زال يغرد ذلك البلبل على حبيته كوردستان.
المصدر جريدة التآخي -العدد والتاريخ: 7064 ، 2016-02-10