Share |

لنتذكر مبدعينا : (بلبل جبل الكورمانج ) جميل هورو ( 1934 –1989 )

لبل جبل الكورمانج - جميل هورو

( تعالوا اليَ في قبري بالطبل والمزمار والرقص وبشروني باستقلال كوردستان)

اعداد : هوزان أمين

قرائنا الاعزاء اعود اليكم من جديد لنتذكر سويا مبدع آخر من مشاهير الشعب الكوردي، فتاريخ الشعب الكوردي حافل بهذه الشخصيات فلو دققنا في التقويم السنوي لوجدناه مليئ بالايام التي تشهد ذكرى ولادة او رحيل احد هذه الشخصيات التي خلفت ورائها ارثاً فنياً كبيراً او الى ما هنالك من مجالات الابداع الكثيرة، فهذه الحلقات من سلسلة لنتذكر مبدعينا ليست مخصصة لنوع معين من الابداع بل يشمل كافة مجالات الابداع والشخصيات التي لعبت الدور فيها وكان له الاثر البليغ في تطوير ذلك المجال، فأغلب الذين يشملهم هذه السلسلة هم الذين رحلوا عن دنيانا ولا يتقيد بحدود أو جغرافيا محددة تشمل المبدعين الكورد من مختلف الأماكن والبيئة التي عاشوا فيها، وكبادرة وفاء وتقدير لجهودهم الخيرة وخدمتهم للادب والثقافة الكوردية أقوم بتوثيق حياتهم ومنجزاتهم واعمالهم بشكل مختصر باللغة العربية وتقوم جريدة التآخي بنشرها ليتيح للقراء التعرف على هذه الشخصيات والتي تكون غالباً المعلومات عنهم شحيحة باللغة العربية فأقوم بالبحث والتدقيق في المصادر الكوردية وأقدمها للقراء لكي تكون متاحة للجميع، حتى لو توفرت معلومات عن شخصية معينة فهذه السلسلة تختلف من حيث السرد وطريقة الطرح والتعريف بالشخصية ويكون أغناء للمعلومات عن تلك الشخصية فقد تناولت حتى الآن حياة العشرات من المبدعين الكورد ولا زلت مستمراً بين الحين والآخر كلما مر ذكرى أحدهم.

بعد هذه المقدمة سنقوم في هذه الحلقة بتناول شخصية فنان كوردي ذاع صيته في مختلف أجزاء كوردستان يمر ذكرى رحيله السابع والعشرين في 19 من شهر أيلول هذا العام، انه بليل جبل الكورمانج كما متعارف عليه ويشتهر بهذه الصفة التي لا زال صدى صوته الشجي يحوم على جبال الكورد ووديانه وانهاره ويهتز لها أوراق شجر الزيتون في منطقة عفرين في روزآفا كوردستان انه الفنان الكبير جميل هورو.

 منطقة عفرين

قبل الخوض في حياة الفنان جميل هورو لا بد في البداية من تسليط الضوء قليلاً على منطقة عفرين ومن خلالها سنتعرف على جميل هورو الفنان، حيث تعتبر منطقة عفرين من أغنى المناطق في شمال سوريا واجملها تتمتع بجغرافيا جبلية وجو لطيف كونها قريبة من البحر تقع في أقصى جنوب غرب كوردستان وهي مشهورة جداً بزراعة الزيتون وانتاج زيت الزيتون و تتبع محافظة حلب، ويبتعد عنها 63 كم، يتبع لمنطقة عفرين سبع نواحي وهم (شران، شيخ الحديد، جنديرس، راجو، بلبل، المركز ومعبطلي) و366 قرية ويتجاوز عدد سكانها النصف مليون نسمة، ونظراً لهوائها العليل وجوها اللطيف وجمال طبيعتها الخلابة فانها تترك اثراً كبيراً في النفوس وهي غنية بالشخصيات الفنية والمبدعين الكورد وحافظت على التراث والفولكلور الكوردي على حد كبير والفنان جميل هورو ابن هذه البيئة التي أثرت على تكوينه الفني وعلى شخصيته الفنية.

حياته ونشاته

ولد الفنان جميل رشيد هورو في 10 آذار عام 1934  في قرية سعرنجك التابع لناحية بلبل في منطقة عفرين ، تتلمذ على يد الملا محمد شيخ حيدر في قرية جولاقا وتعلم اصول الفقه وحفظ القرآن والاناشيد الدينية . على الرغم من انه اصبح إمام جامع في قرية جولاقا وكان مريدا متصوفاً دينياً، ولكنه عرف حين ذاك انه يجيد الغناء وبرزت عنده حب الطرب وحفظ الاغاني الكوردية الفولكلورية ترك الدراسة الدينية ومال نحو الغناء والطرب وحفظ الاغاني، و طاف في قرى كثيرة ليكسب رزقه وذاق مرارة العذاب منذ صغره حيث عمل في الفلاحة وزراعة الاراضي في الكثير من القرى المحيطة الى ان استقر به المقام في ناحية جندريس وفتح محل للنجارة ليكسب رزقه أحبه كل من رآه ورافقه نظراً لطيبته وحلاوة صوته فقد ذاع صيته واشتهر في قرى منطقة عفرين حيث كان يقوم بإحياء الحفلات ويغني في الاعراس .

بداياته الفنية

كان جميل هورو شخصاً وطنياً محباً لقضية شعبه المضطهد لهذا انتسب الى صفوف الحزب الديمقراطي الكوردي (البارتي) وناضل في صفوفه واعتقل في زمن الوحدة بين سوريا ومصر نهاية الخمسينات من القرن الماضي مع مجموعة كبيرة من قيادات الحزب على يد السلطات ومكث في السجن قرابة ثلاثة اشهر بتهمة اشعال نار نوروز ولاقى جميع انواع العذاب، في بداية الستينات انتقل الى حلب وقام بتسجيل اولى اغانيه على اسطوانة في ستوريو سوداوا ومن الاغاني التي سجلها حين ذاك واشتهر بها ( وي لاو – ممي آلان- لو بافو – جبلي – فتاح بك وغيره الكثير من أغاني التراث والملاحم والفولكلور الكوردي حيث غناها بشكل مختلف وبإسلوب رائع . بالاضافة الى اغاني عاطفية ووطنية وانتشرت اغانيه كثيراً.

شهرته ومشاركاته الفنية

بعد تسجيله لتلك الاغاني واشتهاره بها كونه ذو حس غنائي ونفس طويل تنبع من طبيعته الجبلية  أقام فترةطويلة في مدينة حلب، عمل جميل هورو في فترة السبعينيات مع فرقة عفرين الفولكلورية وأحيا حفلات عديدة معها واشهرها مشاركة فرقته في ( حفلة سوق الإنتاج ) عام 1973 في حلب مع العديد من الفنانين الكورد والعرب، ثم تم دعوته الى بيروت للمشاركة في حفلة نوروز واقام حفلة جميلة في صالة ريفولي بمشاركة فنانين كبار امثال سعيدكو – سعيد يوسف -شيرين برور ومحمد عارف جزراوي .

رحيله الى تركيا وكوردستان العراق

ونتيجة الضغوطات التي كان يتعرض لها من قبل الاستخبارات السورية انتقل مع عائلته الى تركيا وتعرف هناك على الفنانة الكوردية المشهورة عيشه شان وسجل معها اشهر اسطواناته الغنائية ( ممي آلان) ثم دعته عيشه شان لاحياء حفلة معاً في مدينة عنتاب وغنى في الحفلة اغنية ( شيخ سعيد) وهذه الاغنية عن ثورة شيخ سعيد وبطولته وانتفاضاته ضد السلطات التركية، نتيجة غنائه تلك الاغنية اصبح ملاحقاً هناك ايضاً وفر من عنتاب الى جنوب كوردستان واقام في زاخو وعمل في بلدية زاخو لمدة من الزمن ولكن بسبب حنينه الى بلده وارضه عاد مجدداً الى سوريا بعد اصدار العفو العام في سوريا في السبعينيات.

انعطافات مهمة في حياته

تعرض الفنان جميل هورو خلال حياته للمضايقات الامنية كثيراً بسبب انتمائه الى الحزب الديمقراطي الكوردي ونشاطاته السياسية واغانيه الوطنية وفي احدى المرات وبعد خروجه من السجن لنظراً لشدة التعذيب الذي لاقاه في السجن ذهب الى طبيب ليداوي جراحه لكن الطبيب رفض معالجته لانه كوردي فذهب الى عفرين للمعالجة، كما ان لحادثة مقتل ابنه حنان ذو الثلاث سنوات الاثر البليغ على حياته جعله يحتجب عن الغناء لفترة نظراً لشدة تألمه عليه وقتله بطريقة وحشية ورمي جثته في نهر عفرين حيث وجد جثته بعد اشهر من فقدانه.

عانى جميل هورو في حياته كلها فقيراً يعاني شظف العيش قضى خمساً وخمسين عاماً متألماً يعاني البؤس والتعاسة، اضطر في فترة مكوثه في حلب ان يفتح مقهى ليسترزق منها إلا انه اضطر لاغلاقه بسبب كلام الناس واعتباره عملاً لا يليق به، ولا زال ذلك الشارع يحمل اسم شارع مقهى جميل هورو في حي الشيخ مقصود المكتظ بالاكراد الى اليوم ، تزوج جميل هورو ثلاث نسوة وانجب عدداً من الاولاد.

رحيله

انتقل في أيامه الأخيرة الى مدينة جنديرس، أصيب بمرض السرطان في الكبد ومرض السكري تم نقله إلى مشفى ابن رشد في حلب ولكنه فارق الحياة في 20 أيلول 1989 ووارى جثمانه الثرى في مقبرة زيارة حنان، رحل عنا جميل هورو ولكنه بقي خالداً في ضمائر ووجدان الشعب ولا زالت أغانيه المشهورة ( صالح بك- عيشا ايبي- لو لاوو- طيار آغا - مم وزين- ليلى قاسم- شيخ سعيد- بارزاني- بيشمركة كورد- نوروز ...الخ تدوي صداها على قمم جبال كوردستان، ويقال ان جميل هورو وصى ابنه وهو على فراش المرض ان يأتي اليه في القبر بالطبل والمزمار والرقص  مع الفنانين وينادوه ( قم ) بعد ان يتحرر كوردستان.

التآخي