أعيد نشر المقال بعد إجراء تغييرات عديدة فيه، وخاصة بالنسبة الى معنى إسم (يلدا)، حيث ذكر الصديقان كاكSherzad) وكاك (عبد العزيز قاسم) مشكورَين أن الإسم المذكور هو إسم كردي، مما دفعني الى البحث في التاريخ الكردي القديم لمعرفة فيما لو أن كلمة (يلدا) لها جذور في معتقدات أسلاف الكرد، أم لاء.
(يلدا) هي كلمة كردية مركبة، تتكون من كلمة (يل) المتأتية من أسماء آلهة أسلاف الكرد، حيث كان أحد الآلهة الخۆرية إسمه (يما) الذي المقطع الأول لإسم (يلدا) مشابه له. كلمة (أل) السومرية كانت في البداية تعني (الإشراق واللمعان والسماء) كأعلى موقع في الكون [2]. بعد تنازل الإلهة الأم (إينانا) عن عرش السماوات نتيجة إستلام الأب سيادة المجتمع على الأرض، جلس على العرش الإله المذكر (أل) في نهاية العصر الزراعي ومطلع العصر التاريخي .هكذا فأن المقطع الأول من إسم (يلدا) قد يكون متأتي من إسم هذا الإله السومري. من الجدير بالذكر أنّ كلمة (الله) متأتية من تكرار الكلمة السومرية (أل) المكررة بالشَدّة (ألّ ألّ = الله)، حيث أنّ تكرار الكلمة في اللغة السومرية يتم لغرض التعظيم والتكبير. كما أنه قبل أن يتمّ خلق الكون، كان إسم الإله في الدين اليارساني هو (يا) الذي المقطع الأول لإسم (يلدا) مشابه له أيضاً. هكذا كلمة (يل) منبثقة من أسماء آلهة أسلاف الكرد والتي كانت (الشمس). أما المقطع الثاني من إسم (يلدا) الذي هو (دا)، فأنه فِعل وكذلك إسم في اللغة الكردية الذي يعني (أعطى، عطاء، ولدتْ) وكذلك (الأم)، وبذلك (يلدا) تعني (ولادة الشمس). الشمس تهزم الليل وأنها رمز النور الذي يهزم الظلام.
عيد (يلدا) يصادف ليلة 21/20 كانون الأول/ديسمبر، التي هي أطول ليلة في السنة. في الحقيقة أنّ عيد (يلدا) هو عيد(خاوەنکارXawenkar) اليارساني الذي له جذور تاريخية، تمتد لآلاف السنين، وهو عيد أسلاف الكرد السومريين والخۆريين – الميتانيين والهيتيين والكاكائيين الذين كانون يحتفلون به، حيث أنّ ليلة يوم 21/20 كانون الأول/ديسمبر هي أطول ليلة خلال السنة، وبعدها يبدأ النهار بالزيادة والليل بالقُصر، وتزداد الحرارة والإضاءة، وتنخفض البرودة والظلام. الشتاء، حيث الظلام والبرودة والقسوة، يتجه نحو الإختفاء وأنّ الربيع حيث الدفء والخضار والزراعة، مقبلٌ على الظهور. كما أنّ الأساطير الكردية تذكر أن الشمس والقمر عاشقان لبعضهما البعض، فيلتقي هذان الحبيبان في هذه الليلة ويسعدان بهذا اللقاء. الأساطير الكردية تذكر أيضاً أنّ أول نزول للثلوج خلال السنة يبدأ ابتداءاً من هذه الليلة. كما أنّ هذا التاريخ يصادف ولادة الشمس ويصادف ميلاد إله الشمس الآري الميتاني (ميثرا). نتيجة الأسباب المذكورة، كان أسلاف الكرد يحتفون بهذه الليلة ويقيمون الإحتفالات بهذه المناسبة ولا يزال أحفادهم يحتفلون بها أيضاً.
عيد يلدا (عيد خاوەنکار) لا يزال حيّاً وباقياً عند اليارسانيين، حيث أن صيامهم يبدأ بهذا التاريخ، والذي يستمر لمدة (3) ثلاث أيام. مُجدّد الدين اليارساني (سان سهاك) هرب في هذه الليلة مع عددٍ من مُريديه الى كهفٍ وإعتكفوا فيه، بعد أن حاول أفراد عائلته وأقاربه وأفراد عشيرته قتله بسبب دعوته للدين اليارساني. بقي هو وأصحابه في الكهف بدون غذاء وماء لمدة (3) أيام ولذلك يصوم اليارسانيون (3) أيام في هذا التاريخ. بعد إنتهاء أيام الصيام الثلاث، يحتفل اليارسانيون بهذا العيد في اليوم الرابع. إعتكاف (سان سهاك) في كهف هو إمتداد لإعتكاف (ميثرا) في كهف.
كان الآريون يؤمنون بالديانة الميثرائية. بعد ظهور الديانة المسيحية، ترك غالبية الآريين دينهم الميثرائي وإعتنقوا المسيحية. بعد انسلاخهم من الدين الميثرائي وإعتناقهم للدين المسيحي، جعل المسيحيون يوم ميلاد إله الشمس الآري الميتاني (ميثرا) يوماً لميلاد المسيح، إلا أن التاريخ الحقيقي لميلاد المسيح هو على الأرجح 28 آذار .
تتوارث الأجيال في إحياء هذا العيد وطقوسه. في الدين اليارساني يُعتبر عيد خاوەنکار وعيد نوروز أهم عيدَين. في ليلة هذا العيد، يُقام أهم اجتماع ديني(جەمCem) الذي تُقدم خلاله القرابين المتكونة من لحم الديك المطبوخ والخالي من العظام والرز المطبوخ وخبز الصاج (الخبز الرقيق)، وبعد ذلك يتم تقديم نذور على شكل فواكه، وخاصةً الرُمّان الذي هو ثمرة مباركة في الدين اليارساني، ويُجرى الاجتماع على أنغام الموسيقى (العزف على آلة الطنبور)، مصحوبة بأناشيد دينية خاصة بهذه المناسبة. بعد إنتهاء الاجتماع الديني، يقوم الحاضرون بتهنئة بعضهم البعض في جوٍّ من الفرح والإنشراح. في يوم العيد، تقوم العائلات اليارسانية بزيارة بعضها البعض لتقديم التهاني والجميع يلبسون ملابس جميلة والأطفال يحصلون على هدايا، من ملابس وحلويات.
هذا العيد باقٍ الى الوقت الحاضر أيضاً عند الكرد المسلمين، بالرغم من إنسلاخهم عن دينهم اليارساني، إلا أن جذور هذا العيد الكردي العريق لا تزال باقية في المجتمع الكردي بمختلف عقائده الدينية والطائفية. في هذه الليلة يتم جمع شمل الأسرة، فتجتمع العائلات الكردستانية وتبدأ جلسات السمر وأحاديث الذكريات والأطعمة الشهية. يتضمن إحتفال الناس بهذه الليلة، الغناء والرقص والمرح وقراءة الأشعار وسرد القصص طوال الليل حتى بزوغ النهار. كما أن الرمّان يُشكّل جزءاً مهماً من طقوس عيد (يلدا)، حيث يأكل الناس الرمّان في هذه الليلة حتى ولو بكميات قليلة لإعتقادهم بأن تناوله يحميهم من الإصابة بالأمراض طيلة السنة، بالإضافة الى أنهم يعتقدون أنه يجلب الحظ لهم. من الجدير بالذكر أنّ الرمّان كانت ثمرة مقدسة عند السومريين وأنها لا تزال ثمرة مقدسة عند اليارسانيين. كذلك أنهم يتناولون العنب والمكسرات وغيرها. الفاكهة والمُكسّرات تُشكّل نسبة كبيرة من النذور اليارسانية. يُفضّل البعض أيضاً الزواج في هذه الليلة.