لوحاته ورسومه ليست طالعة من المدينة حيث يقيم فيها في رسومه وأعماله في معرض كبير في غاليري شانيت، مار مخايل، قرب شركة الكهرباء، بناية «ليست فيلاج» وإلى الثامن من آذار المقبل.
معرض يأتي في ظروف تراجيدية تعانيها سوريا وشعبها اجتماعية وإنسانية وأخلاقية هائلة. ويوسف عبدلكي الرسام والناقد والمحتج ضد الظلم والقمع والعنف يصير الجسد السوري كله، والجرح الذي يتكلم بأشياء كثيرة وبنظرات تشكيلية أمام الأشياء وخلفها، وعلى يمينها وشمالها ومن فوقها وتحتها من صرخات التمزق الإنساني.
ذلك أن الفنان يوسف عبدلكي هو جزء عضوي من المشهد السوري المكتنز مختلف الاحتمالات المؤلمة والدموية وكذلك بالرجاء، وبمنظور فني رفيع في التعبير الحر يملك أدواته من الرسم والتصوير وبأعمال منتزعة من مناخات العنفو البربرية التي يرتكبها النظام.
تعبيرات فنية هي الى جروحها الواقعية العميقة تعبر عن ريشة فريدة بإبداعها.
أعمال يوسف عبدلكي تعبر باللوحة وما خلف اللوحة بالوجود والأجساد المقتولة والمعذبة وما تخلّفه من صدامات تراجيدية في سوريا ومن تأويلات تشي بالمدى الذي أدركته بربرية النظام ومن معه. نحو 33 لوحة بأحجام مختلفة. لوحات سياسية في تجلياتها ومضامينها تشير بعنف الى الإدراك بالجنونية التي وصلها الاستبداد.
جنونية يلتقطها عبدلكي بضرباته بالفحم الأسود على الورق، يحركها تارة ويمحيها طوراً آخر الى حدود الصدام والفعل التشريحي.
فنان استعارات البعد الآخر للصورة وما بعد الصورة، الجسد وما بعد الجسد، وفنان اعتماد التجريب الصعب بمواد حياتية يومية وبدائية من ضمير الروح بعيداً عن التلاوين والزخرفة والشكلانية التي تصيب جوهر رسوماته.
هو الفنان السوري المتجذر في وطنه وناسه وشارعه وأرضه وطبيعته الأولى، والمتجذر في معارضته للاستبداد وهو الخارج للتو من سجن النظام، يرسم ما شاهده وما يتذكره ويراه من دون سواه وما يعانيه وأحسه واستشفه بعمق المناهض لممارسات النظام وعبثيته.
لوحات تجمع الألم والتمزق والفراغ واليأس والصمت الى صراخ الحياة والموت معاً، في لحظات مكثفة واحدة تعبق بالأنفاس المخنوقة، الشامي الحرّ بكل تلاوينه وانتمائه وأفكاره وأحاسيسه، روح أهل الشام والساحل وحلب وحمص ودرعا وإدلب والرقة والحسكة ودير الزور، يأتي من أعماق الجرح التاريخي في سوريا، من خرابها ومجازرها وأهوالها ومن دموع الأطفال وأم الشهيد والقتلى والمسجونين والمعذبين.
رسام الليل الملطخ بالدم، بما يسيل من دماء، وبما يسيل من لهاث الحياة الذي تحوّل الى مواد من فحم يصير مع بلاغة الرسوم والاستعارات أجساداً على حافة السكين والذبح..
وفي أعماله تتجاوز الأشياء صورتها الواقعية، الى دلالات غير محدودة التي تنوب عن أصحابها والمتبقية كآثار مثل الزنابق التي رحلت، والمزهويات الغارقة في صمتها والطيور الملطخة بالدماء والقبور الباردة وظلال الوجوه والملامح وآثار الأقدام والنزف لسمكة لا تعرف مياهاً ولا شمساً، وخراب الصمت على الورقو الفحم والفاجعة كبقعة سوداء..
يعرض عبدلكي أعمالاً نفذها في العامين 2011 و2013 وفيها القديم والجديد الذي له علاقة بالحدث السوري وانكساراته واستعارات الداخل وعذاباته الدفينة..
تجادلية يوسف عبدلكي تحاكي شخصياتها، تحاكي أم الشهيد كما تحاكي العصفور والبومة والمزهرية والصحون والأواني والأباريق، وليمة رعب آدمية وظلال أسماء كثيرة بين درعا ودوما الى وجه المخرج السينمائي باسل شحادة الذي لقي حتفه في حمص.
يوسف عبدلكي مدينة من مدينة، فنان طليعي مقاوم للطغيان وشخوصه تعاني نم أكثر الأنظمة إرهاباً في العالم، نظام يقتل الأطفال والعصفور وحتى أزهار البابونج والشوك ويهرسه بضجة غريبة.
مع ذلك هو عبدلكي «الشوك» الذي يزهر موسيقى والصمت الذي يزهر نصوصاً كتابية لسيولة الدم على الجدران والفحم الذي يجري بذهول الموت والألم.
وبغرائبية مأسوية بشهادة القديس «يوحنا فم الذهب» تجسيداً لفجيعة تتمايل وتمشي في دمشق الحبيبة كصلاة سرية الى المقابر البعيدة مدينة رسم قاسية في مادتها الإيمائية والتعبيرية وبأشيائها الأعنف من الواقع نفسه.
جريدة المستقبل اللبنانية