يكثر الحديث بين الاوساط السياسية المعارضة التركية وكذلك في وسائل الاعلام التركية والعالمية حول مسألة التحشدات العسكرية التركية والغاية منها في هذا التوقيت بالذات وبعد النصر الذي حققه المقاتلين الاكراد على آرهابيي داعش
ولا سيما بعد تحرير منطقة ( كري سبي) تل أبيض في محافظة الرقة ابرز معاقل التنظيم في 16 حزيران حيث كانت تعتبر هذه المنطقة الشريان الرئيسي بالنسبة لداعش وبهذه القفزة النوعية في مضمار القتال بين المقاتلين الاكراد والتنظيم الارهابي تلقى التنظيم ضربة كبيرة هناك، و حرم التنظيم من نقطة امداد رئيسية حيث كان يعبر السلاح والمقاتلين الجدد الذين ينضمون الى القتال في صفوف داعش وكذلك حرم التنظيم افضل الطرق التي تربطهم بتركيا وطريقها الوحيد الذي يربط مركز عاصمتهم ويلاية الرقة بتركيا من خلال بوابة آقجقله في تل أبيض.
كما كان الانتصار الذي سبقه في مناطق القتال في محافظة الحسكة ولا سيما بتحرير جبل عبدالعزيز والعديد من القرى المحيطة بها الاثر البليغ على نشاط التنظيم في سوريا حيث تلقى الضربة تلك الاخرى والهزيمة بعد هزيمة في معاركها مع الاكراد.
الزحف نحو الرقة
ولم يتوقف الاكراد في المناطق الكوردية بل زحفت الى مناطق ابعد من ذلك وصولاً الى عين عيسى والتي لا تبعد سوى 50 كم عن معقلهم في محافظة الرقة، كما تمكنت القوات الكوردية التي تدعمها غارات جوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من السيطرة على العديد من المناطق والقرى السورية المهمة منها قاعدة عسكرية كبيرة، كل هذا ادى الى تشكل مخاوف كبيرة لدى التنظيم وجعلتهم يبحثوا عن بدائل في المعركة، حيث يسعى تنظيم داعش الارهابي وكما يقول بعض الخبراء الى تعويض الخسائر العسكرية الكبيرة التي المت بهم على يد قوات الحماية الكوردية في سوريا، من خلال اتباع تكتيكات عسكرية جديدة، تمثلت بشن بعض الهجمات المكثفة في اماكن متعددة ومنها مدينة كوباني التي كلفت الاكراد دفع اثمان باهظة في سبيل الحفاظ عليها واصبحت بمثابة الشرف الكوردي الذي ادت الى توحد القوى الكوردية وما مجيء البيشمركة من أقليم كوردستان العراق بناء على امر اصدره فخامة الرئيس البارزاني إلا دليل قاطع على اهمية الدفاع عن تلك المنطقة وشكلت الوحدة الكوردية هناك بين وحدات الحماية الكوردية والبيشمركة الابطال النواة الرئيسية لعدم سقوط تلك المنطقة في يد داعش ودفع الكورد اثمان باهظة في سبيلها، جعلت التنظيم الارهابي وأعوانه يتكالبون في سبيل ايجاد الحيل والمكائد للانتقام بالتعاون مع قوى اقليمية.
كوباني مجدداً
بناء عليه وبسبب الانتصار تلو الآخر الذي يحققه القوات الكوردية تعرضت مدينة كوباني الصامدة لهجوم مباغت كبير من قبل عناصر التنظيم، بهدف زعزعة الوضع ومنع عودة الاهالي وقف عمليه بناء المدينة جراء ما تهدم في الحرب وكذلك بهدف تحقيق انتصارات عسكرية قد تسهم بإيقاف الزحف السريع والمتواصل للوحدات الكوردية باتجاه مدينة الرقة المعقل الاساسي لتنظيم "داعش" الذي سعى الى تعزيز دفاعاته حول هذه المدينة.
فقد هاجم ارهابيي داعش كوباني من عدة محاور عبر سيارات مفخخة مدعومة بقوة تموهت بلباس ثوار الرقة وبركان الفرات المشاركة في الدفاع عن كوباني والمهاجمة الى جانب القوات الكوردية في العديد من جبهات القتال ولا سيما في مناطق كوباني وتل أبيض والرقة ويعود لها الفضل ايضاً في تحقيق فوز ميداني في معارك كوباني وتل ابيض الى جانب قوات البيشمركة والتحالف الدولي واستطاعت عبور سيطرات القوات الكوردية ودخول المدينة، كما اثبتت الكاميرات دخول سيارة مفخخة من الجانب التركي في منطقة قرب المعبر الحدودي مع تركيا ( مرشد بنار) ودخول عناصر داعش من شمال كوباني اي من الحدود التركية وقاموا باعدامات جماعية طالت النسوة والاطفال والرجال الذي كان نيام في ساعات الصباح الاولى، كانت عملية وحشية بكل معنى الكلمة وانتقامية تقتل كل من يعترضها عبر القناصات والاسلحة الرشاشة ادت الى اسشهاد اكثر من 250 كوردياً مدنياً عزل بدون سلاح وكذلك وحسب بيان للوحادات الكوردية بعد تنظيف المدينة منهم قدر عدد الداعشيين القتلى ب 80 عنصراً حيث واجهتها الوحدات الكوردية وحاصرتهم في بعض الابنية داخل المدينة ولا سيما في محلة ( كانيا كوردا) ومشفى مشت النور ومدرسة الى ان تم تحرير الرهائن تم قتلهم جميعاً وتنظيف المدينة منهم للمرة الثانية خلال اربعة اشهر.
تركيا وداعش؟
وربما كانت لهذه العملية المباغتة دلالة على تورط الاتراك في الحرب على كوباني وربما قطعت الشك باليقين في الاتهامات التي توجهها القوى الكوردية والعديد من الاوساط السياسية في الاقليمية والعالمية على وجود تعاون بين داعش والحكومة التركية ولا سيما في تسهيل مرور القادمين من دول العالم عبر النافذة تركية، وازدادت من حدتها وربما كانت الدليل القاطع على وجود تنسيق ميداني بين التنظيم الارهابي والحكومة التركية في ظل نفي تركي متواصل، حيث يواصل المسؤولين في حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي الذي يتزعمه صالح مسلم بتقديم الدلائل والاثباتات ولا سيما عن طريق فتح الحدود لمقاتلي داعش للتسلل إلى سوريا او التداوي في تركيا او عمليه شراء البترول السوري باسعار زهيدة من التنظيم وتسهيل مرور المقاتلين الاجانب عبر الاراضي التركية الى سوريا.
تحشدات على الحدود!
الناظر الى تسلسل الاحداث في ساحة القتال بسوريا ولا سيما في المناطق الكوردي ونتيجة الانتصار تلو الانتصار الذي يحققه القوى الكوردية وبعض الفصائل المحاربة من الجيش السوري الحر في الكثير من المناطق كل تلك الاحداث والتطورات لا تروق لتركيا الجارة لسوريا والتي تربطها حدود تقدر بـ 900 كم معها وفشل المساعي في توقف تقدم الاكراد، وكذلك صمود الكانتونات الثلاثة التي يديرها الاكراد ربما كانت السبب في اخذ تركيا لاحتياطات عسكرية وأرسال جيشها وقدمت بتعزيزات عسكرية إلى ولاية كيلس الحدودية مع سوريا المحازية لمنطقة جرابلس السورية والتي يتخوف العديد من الاوساط السياسية التركية بدحر داعش من تلك المناطق وصولاً الى اعزاز حيث بوابة السلام مع تركيا وبهذه الطريقة تقع جميع البوابات التي تربط تركيا بسوريا بيد الاكراد ويبقى الاكراد الجار الوحيد لتركيا على حدودها الجنوبية ويتوحد الكانتونات الثلاث ( الجزيرة – كوباني – عفرين) حيث انطلقت 32 دبابة فضلا عن عربات وحافلات نقل الجنود، من قيادة اللواء المدرع الخامس، في ولاية غازي عينتاب، باتجاه بلدة إيلبيلي في كيليس حيث ستتموضع وتنشر في تلك المناطق الحدودية المتاخمة لجرابلس السورية وكذلك رفعت القوات الأمنية التركية، تدابيرها على الحدود الى درجة عالية من الجاهزية، في ظل تدابير كبيرة تتخذها داعش حول تلك المناطق بدأ من حفر الخنادق الى زرع الغام تحسباً لهجوم محتمل من الجانب الكوردي.
مشروع إقامة منطقة عازلة من السلاح
هناك تخوفات جدية من مشروع تركي قديم جديد وذلك بإقامة منطقة عازلة من السلاح تحت مزاعم حماية المدنيين ووقف تدفقهم على تركيا وبحجة وجود تهديدات على الحدود التركية حيث قال رئيس الوزراء التركي المنتهية ولايته والمكلف بتشكيل حكومة ائئتلافية جديدة بعد ان فاز حزبه ( حزب العدالة والتنمية) في الانتخابات الاخيرة بنسبة 41% من مجموع الاصوات على صعيد تركيا ( نحن على استعداد لصد اي هجوم على حدود تركيا ووحداتنا العسكرية على اهبة الاستعدادواضاف قائلاً " لو تأكدنا تماماً ان الامن والاستقرار في تركيا في خطر عندها سنواجهها بحزم)
كما واجتمع مجلس الامن القومي التركي الذي يجمع في نهاية كل شهر بقيادة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بحضور كبار قيادات الجيش التركي البري والجوي والبحري واستمر الاجتماع لفترة طويلة و كان النقاش على الوضع السوري وحدود تركيا مع سوريا طاغياً على جدول اعمال الاجتماع واكد المجتمعون اننا على استعداد لاخذ كافة الاحتياطات لاي خطر على حدود تركيا مع سوريا.
كما صرح في الآونة الاخيرة ولا سيما بعد الانتصارات الاخيرة التي حققها الاكراد في ميادين القتال ضد داعش رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان ان تركيا لن تسمح لتشكل كيان كوردي مستقل في شمال سوريا حزب زعمه لانها تشكل خطراً جدياً على امن تركيا.
لهذه الاسباب تركيا ترغب في دخول جرابلس السورية وبناء منطقة عازلة من السلاح والتي تشكل هذه المنطقة بجغرافيتها منطقة استراتيجية مهمة وتجزأ منطقة عفرين عن كوباني وتحول دون توحد الكانتونين اذا ما تم حمايتها من هجمات الاكراد.
ومن جانبه أكد القيادي الكوردي مراد قرة يلان المعروف بإسم (الرفيق جمال) من منظومة المجتمع الديمقراطي الكوردي انه لن نقفوا مكتوفي الايدي من محاولات تركيا دخول روزآفا كوردستان بحجج واهية وهي حماية امنها واستقراراها وقال في تصريحه سنشن الحرب في داخل تركيا وسندافع عن روزآفا.
اذاً نسنتنج من ذلك وبعد قراءة للاحداث التي جرت في الساحة والتطورات الاقليمية التي شهدتها بعض المناطق ان المنطقة مقدمة على تغييرات جدية سينتج عنها خارطة جغرافية جديدة وبداية تشكل كيانات جديدة في ظل حماية الاكراد لمكتسباتهم وما حققوه خلال اربعة اعوام من الثورة في سوريا ضد نظام متمسك بسلطته مهما كلفه الامر وفي ظل رفض أمريكي للمشروع التركي وتغيير محتمل لاستراتيجية امريكا في الشرق الاوسط، ويبقى للاتراك مخاوفهم ويبقى للاكراد منجزاتهم وسنرى هل ستدفع تركيا بقواتها الى سوريا ام هي عبارة عن مفرقعات وتحركات عسكرية تخوف بها الاكراد او هي عرض عضلات لتركيا امام الحليف المحتمل والمهزوم داعش.
جريدة التآخي -العدد والتاريخ: 6935 ، 2015-07-14