من ينقذ آربيل، المدينة الوادعة التي زرتُها العام الماضي فوقعتُ في هواها؟ من ينقذ شعبها الطيب الذي وجدتُ فيه من القيم والمُثُل الرفيعة، ما لا تستطيع إدراكه تلك الوحوش الداعشية التي تلتهم الأخضر واليابس وتقف الآن على مشارف كردستان، بعدما التهمت الموصل العراقية، وغيرها من مدن سورية، متوعدةً الأكراد المسالمين، بعدما هجّرت مسيحيي العراق، وذبحت أبناء الطائفة اليزيدية أمام عيون أطفالهم، ومازالت تحتجز الآلاف منهم بين وهاد جبل سنجار دون ماء أو طعام، ما يشي بعملية إبادة جماعية، كما قالت دموعُ البرلمانية العراقية فيان الدخيل؟!
أرضٌ غالية، دُفع فيها دمٌ وروحٌ ووجع. شعبٌ كافح من أجل التمسّك بهُويته الكردية لئلا تندثر، رغم المقابر الجماعية، التي دُفنوا فيها أحياء عام 1988، وحرب الكيماوي التي حرقت أوصالهم. لكنهم بقَوا، وسيبقون لأن الشعوبَ دائمًا أبقى من حُكّامها، وأكثر خلودًا من الضواري التي تنهشُ الجثامين وهي ترفع راية الإسلام! طوردت لُغتُهم لكي يصمتَ اللسانُ الكرديُّ المثقف، ويفنى تراثُهم الثري، لكنهم توارثوا أبجديتَهم جيلاً بعد جيل، وتناقلوا تراثَهم حتى وصل سليمًا من السلف إلى الخلف. حاربوا الفناءَ بالشِّعر والأدب والفن والتشكيل والفولكلور وزهرة النرجس. حفظوا زيَّهم القديم فارتدوه في الأعياد القومية لكيلا ينسى الأحفادُ ميراثَ الأجداد، الذين حوربوا لكي تموت معهم الهوية الكردية، تلك التي لن تموتَ، مادام إصرارٌ على البقاء. يدُ الله تمتدُ لتسندَ المُستضعفين في الأرض ليحيوا، حين أُريدَ لهم أن يموتوا.
تلك كردستان العراقية، وشعبٌ من أرقى شعوب الأرض. رجالٌ يحترمون النساء، ونساءٌ يدركن أنهن كنزُ الأرض وهدية السماء لبني الإنسان. هنا شجرُ اللوز، وزهرُ النرجس الذي شكّلوا علَم إقليمهم من قلبه الأصفر كقرص الشمس، على خلفية بيضاء كاكتمال الإشراق، وشريط أخضر مثل النُّسْغ الحي يسري في ساق الزهرة، وشريط أحمر بلون الدماء التي أُريقت حتى تحرَّروا واستقلوا واقتنصوا حكمَهم الذاتيّ عام 1991 من أنياب الفاشية. صنعوا لهم وطنًا نظيفًا يحترم الأديان كافة، ويحتضن الأعراق المختلفة، ويحب الوافدين حتى أنهم رفضوا طرد العرب رغم ما يعانون من ويلات داعش. وأذكر أن صديقتي الشاعرة الكردية السورية قالت لي العام الماضي ونحن على مائدة الشِّعر: "نحلم أن نعيش دون أن تُسحق هويتنا. نحلم بوطن مثل كردستان العراقية".
بالأمس هاتفتُ صديقي الشاعر الكردي العراقي "حسن سِليفاني"، رئيس اتحاد الأدباء الكرد، أسأله عن الأحوال هناك، فقال: “نحن بخير حتى الآن!” ولستُ أدري هل تحرّك أمريكا المفاجئ لمحاربة داعش على حدود كردستان، بسبب أنها خرجت عن مسار الإبادة "السنية-الشيعية، التي رسمتها أمريكا، أم، لا سمح الله، استيقظ ضمير أمريكا فجأة لسبب مجهول؟! سنعرف عمّا قريب لغز داعش الصهيو-أمريكية.
المصري اليوم