Share |

قصص قصيرة

  حين تبكي الآلهة     قصة قصيرة مهداة إلى أرواح شهداء مدرسة (قبك) الابتدائية في ذلك الصباح الخريفي الأسود ..دق جرس المدرسة إيذاناً للتلاميذ بالخروج لاستراحة قصيرة في باحة مدرسة (قبك) الابتدائية..ولسائق الشاحنة الذي نفذ صبره و تعبت أصابعه من النقر على المقود.

الطعام الممزوج بالدم أدخل بين الجموع الغاضبة و التي تصرخ بجنون ..!! ها هو صديقي ياسر غارقا بدمائه ..؟؟ أتقدم نحوه و أحمله محاولا إنقاذه قبل أن يسلم روحه لرب السماء . الحمد الله سيارة الاسعاف قد قدمت . أضع صديقي داخلها و تذهب سيارة الإسعاف و تطلق صوتها المخيف في المكان . أنظر إلى نفسي و أجد أن دماء صديقي قد صبغت ثيابي . التفت حولي و إذ أجد كل الناس غاضبين و هم يساعدون اهاليهم و اصدقائهم بعد حدوث الانفجار المدوي .

  ست وثمانون درجة أرتقيها لأصل إلى باب حديدي ضخم ذي مصراعين يعلوه آيات من البيان الإلهي تنتأ حروفها من جدر سميكة جليلة، أجتاز البوابة وأسلك ممرات وعرة ودهاليز وقاعات وقناطر حجرية بديعة حتى أصل إلى مقام الخضر الرابض بجوار الأسدين: الضاحك والباكي،

  ارتدت ملابسها الزيتية ووضعت شريطان أحمران على كتفيها ، ثم شدت شعرها من الخلف و اتجهت نحو المرآة لترتب وضع سيدارتها ،نظرت إلى الساعة التي كانت تشير آنذاك إلى الثامنة إلا ربعاً ، ابتسمت وخرجت للحاق بزميلاتها اللاتي تنتظرن بعضهن في نفس الموعد . خرجت بدوري – بعدها بلحظات – إلى متجري , وأنا في الطريق أفكر في كيفية ترتيب واستلام البضاعة الجديدة المستوردة من ( ... .. ) . ما إن دخلت للتو حتى لمحتها وهي متجه نحوي ، ظننت بأن هناك حصة فراغ في المدرسة قد غاب عنها المدرس .أو أنها بحاجة إلى مبلغ من المال لشراء دفتر أو لوازم مدرسية .

  عندما تتمرد الحيرة على بساط الذات ، تتقلص الثقة إلى حد الاختزال وحين تتكبد ذاكرة الإنسان في كهف التساؤلات تشرأب أشواك القلق على سكينته مهما تعقل واتزن ،هكذا أحسست وأنا أقف مع ذاتي دائنة ومدينة حاكمة ومحكومة ،أقود ذاتي على كسل وتقودني على عجل ،

   ذات ليلة ٍباردةٍ.... ليس على سبيل الموت... إنما من باب صيرورتي إلى شخص لامرئي...رأيتني ببساطة أغادر جسدي ! وكان لا بد لي من التسلل عبر ثقب الباب , فجدتي كانت قد أحكمت إغلاق المنافذ في بيتنا النائم على قارعة النهر....

  كان الشتاء حاضراً بصرامة، رياحٌ ثقيلة تهز المصاريع وتنثر كل ما يصادف طريقها، تتقاذف بها في السماء كأنها تراقصها رقصة إجبارية صاخبة على موسيقى الطبيعة والرياح..  حمل الرجل ابنته الصغيرة وخرج من البيت بائساً يلتحف بمعطفٍ رماديٍ داكن تغطي أقدامه جزمة سوداء مرتفعة حتى قبل ركبتيه، البخار يخرج من أنفه وأحياناً من فمه كأنما يدخن لفافةً موسمية لا تنطفئ إلا بانطفاء الشتاء..

               اجتمع حمير البلدة بعد يوم شاق من العمل والعتالة سرا في وادٍ هو بقايا لنهر كان يمر من أطراف المدينة  ، فتحوا محاضرهم وجداول أعمالهم لهذا الاجتماع ، وبعد دقيقة صمت على روح أحد رفاقهم ، ألقى رفيق المغدور نهقة حزينة ، تهدلت شفته وتهدج صوته ، ثم تدفق ينبوعا من الدموع وهو يذكر خصال رفيقهم وكيف بذاك الذي يسمى نفسه ببني آدم دهسه بلا شفقة ولا رحمة من دون أن يجهد نفسه  قليلا على دعسة الكابح كي لا ينزع عجلات السيارة ،وقال :،

    استفاق عقله المتهالك من حلمه المزعج وبقي جسده نائماً هنيهة, نظر للساعة القديمة مفترشةً الحائط الرطب, وبدأ الحديث مع ذاته في سره وهو يتمطى من الخمول والنعاس...إنها الخامسة وعشر دقائق, هاهو الفجر حضر مسرعاً من جديد وليس به جديد, نركل خاصرة التكرار في اليوم و الشهر والسنة, كم أتمنى أن أعود للنوم في هذا الصباح البارد, تبّاً للوظيفة وللأولاد... - متى سأتقاعد وأرتاح من هموم الحياة ... ؟

    الزمن يمضي حقا، الغريب أن كل واحد منا يظن نفسه بمعزل عن هذا المضي ، أقولها بطريقة أخرى: هذه الحياة هي مسرحية كلنا أبطالا فيها، لكن الكل يظن نفسه متفرج!! الحاصل.... هذه الفلسفة تعلمتها من صديقي زورو الذي الذي لم تفته فرصة مشاهدة فيلم سينمائي واحد ، منذ أيام الطفولة المبكرة وحتى سنين الشباب الأولى. تعلم الانكليزية من أفلام رعاة البقر(الكاوبوي)والهندية من أغاني شامي كابور ومقارعة الأعداء بالسيف من (هرقل يس). عالم كامل يحمله في رأسه الصغير.  

  خطر بباله أن يستعيرَ من كل ّ قاموسٍ مفردة, يجمعها في سلّة المشاعر, يقدّمها إليها على شكلِ سنبلةٍ  نهار العيد الجديد. نبشت في صميم ذاكرتها عن جملةٍ ما تزالُ تدغدغُ عنق الرّحمِ, أمسكتْ بها, نفثتْ فيها من وحي عشقها وهي تتمتمُ بعض الأحرف الشّاردة, ثمّ سكبتها في مَزْنِ تأمّله. السّنبلة اكتملتْ فصارت قاموساً ينطقُ بكلّ الّلغات والّلهجات. المَزْنُ انهمرتْ, في عينيّ الأرض, فباتَ الخصبُ مؤنس كلّ الفصول.

  أراد أن يجرب حظه في الزواج .... جرب حظه في الزراعة فخسر ولم  يجن سوى بذاره وأجرة العمال دفعتها خالته الموقرة التي ابتلت به ... جرب حظه في التجارة ففتح حانوت سمانة فضاع رأس ماله على الناس الذين اشتروا لآخر الشهر ومنهم لآخر العمر ولم يحصل إلا على فتات من ماله لا يكفي لأن يشتري به خروفاً أو نعجة .... ومع هذا كان قوياً يقف كالهر على رجليه ... كان في آخر سني وظيفته .... أي بعد سنة ربما أقل يكون قبال زوجته الهرمة يقشر البصل وان أشفقت على عينيه أعطته البطاطا.... وراح يفكر في الزوجة الجديدة ... زوجة لا تلد ... يكفيه ما أنجبت الأولى ...